Tuesday, April 10, 2007

رواية سفر الأصفار - إسلام محمود


سِفر الأصفار








سفر الأصفار
رواية


تأليف: إسلام السيد







الطبعة الأولى
القاهرة
2004









الغلاف والتصميم الداخلي: عبده البرماوى




جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف


رقم الإيداع : 3333/2005
الترقيم الدولي: ISBN 988-2888 -374

إسلام السيد
سِفر الأصفار

( رواية )










صفر
،،، إنه أنا، ابتداءً بلا إبداء، نهاية وبداية، أعرافى الكون والكيان، نهاية المطاف ومطاف النهاية، الحد الأول والأخير، لايهم كثيرا ما بينهما أو من بينهما، الحدود تصنع فارقاً، عندما تتجاوزنى الأحداث تبدأ الإضافة، قبل ذلك يعد نسياً سلبيا.
حد بين اللانهائية واللانهائية، شتان بين الإثنتين، أصحاب لانهائية اليمين، وأصحاب لا نهائية الشمال، لست فاصلاً بين ضدين، أو علامة ترقيم تتبعثر بين السطور ، فقط أنا.
فى عصور مظلمة سحيقة تحدها علامة ما لانهاية الرياضية عشت أنا بين أقران، أقترن بيمينهم فأضيف إليهم مكانة أعلى ومكاناً فى الحضيض. هكذا تكون الإضافة بلا أساس وبلا داعى، وهكذا كنت معهم أيضاً، بلا أساس وبلا داعى.
الحد الآخر كان حلما للجميع، لم يستطع أن يحلمه غيرى، وحين يكون الحلم رافضا للواقع، يكون الضعف قريناً وصاحباً، حين يكون خالقاً لواقع جديد، يختلف الأمر، حين يفتق رتق الآفاق الحادة يختلف النظر وتتضح الرؤية، لذا، لم يستطع أن يحلمه غيرى ..أنا .
ابتعدت، بقدر ما يمكن أن تحملنى أحلامى المختلفة، ابتعدت، طوال عمرى القبلى ظللت أكره تلك الصخور التى تتحطم من ضربة واحدة، تماما كضربات الحظ عبثية حين تأتى، وعدمية حين تمضى بلا رجعة، نعم إنه لا يوافيك على مدار عمرك، فقط واحدة زمانا ومكانا. .
أخطأتك، فاتتك،
وافتك، أسعدتك،
كذلك تلك التى تتحطم بعد ألف ضربة حتى إذا ضربت تسعا وتسعين وتسعمائة لم تفعل إلا بعد الألف، ضربة للحظ أيضاً، واحدة، صبر الانتظار، فى انتظار ضربة . . جودو لا تأتى، فقط تنتظرها، فقط تفعل، لذا كان علىّ أن أضمهم جميعا فى ضربة واحدة، يا خابت. . يا خابت، لم تكن لتصيب ضرباتى،
والنتيجة؟
النتيجة أننى قد عشت لا أفتت صخرة واحدة فى حياتى، ربما سأموت أيضا قبل أن أفعل، انتقالى من صخرة إلى أخرى شغلنى عن النظر إلى الخلف. فأنا أعلم النتائج، كما أن مقدار ما قطعت لا يهمنى أنا، كما لم يهم أحد غيرى.
المسافات تكشف لك عن حقيقة رائعة لها، محبطة لك، المسافات تقطعك ولا تقطعها، تدوسك بقدميها الزمانيتين ولا تفعل، تكسر حد آفاقك الرحبة، تجعله أفقاً عجيباً توازى السماء فيه الأرض فلا يبغيان، فلا يميلان، فقط تفعل أنت، تطأطئ الرأس عبر المسير ليلتقيان، فتصنع أفقاً كاذباً بانحناء أكذب، أفجر الكذب، خداع الذات المهزوزة، مرة بعد مرة لا تكفى الانحناءة، تزيد رويداً رويداً حتى يلتصق جرمك بالأديم، عودة للأصول ولكنها ردة، سلفية انتقائية، تعتاد النظر بعدها من موقعك هذا، وكذلك تعتادك نعال الآخرين .
فجأة وجدتنى أصل إلى النهاية...
أفرح، لم أكن لأفعل مطلقاً، النهاية كانت صدمة، النجاح قد يصدمك حين يعتادك الفشل، لم أكن مؤهلا بعد للسعادة، أتعسنى ذلك كثيرا، ولكننى عدت لأدرك أننى تعيس بالفعل، ففرحت لأننى لم أتغير ..
أصبحت ذلك المفارق العدمى، لم أك يوماً وعاءً للغرور، ربما لم أكن يوماً وعاءً لشئ ذى قيمة أو غير، فضيلتى كانت الدهشة، تلزمنى وألزمها، حين تتغير فى صيرورة خالدة تتبدى لك الأشياء مختلفة ،،،

لا عرض ولا جوهر،
لا ظاهر ولا باطن،
لا ثنائيات ولا ازدواجيات،
...
فقط أحاديات، أحاديات جديدة ذات أبعاد عدة، حين تختلف، تختلف نظرتك ، حتى وإن ظلت الأشياء على حالها باهتة، مكرورة، ممرورة، متشابهة، ستبدّل أنت كل هذا،
هكذا كنت وكانت، حتى أزريت بها من سلم أولوياتى لأكتشف وقتها كيف أصبحت حارساً لبوابة قدرية، ظاهرها كباطنها، لا رحمة ولا عذاب ولا شئ....
فقط من هم عن يمينى لا يمرون من خلالى إلى من هم عن يسارى، ذلك هو دورى، وذلك هو أنا،
وبتعود شديد، تصورت كل مخالف صخرة من صخور عجزى القديمة، فكانت ضربة واحدة تفتت أحلام التمرد وأوهام التغير،
نادم؟
.. لا، لست كذلك ، فهذا أنا، وهكذا ينبغى أن أكون ،،،،،،،
،، فقط من هم عن يسارى لا يمرون من خلالى إلى من هم عن يمينى، البعض يكون إسكندنافياً فى طبعه، فيريد أن ينتحر ترفاً، يعامل أيضا معاملة صخرة من صخورى القديمة،
أليّن ما عرفت فى حياتى،
فتأتى الضربة الواحدة لتشرذم كوابيس النكوص وهلاوس التردد ... وأظل أنا.
لا تتملكنى الشفقة على هؤلاء، ولا تتملكنى السخرية من هؤلاء، فقط أفعل ما تخيلته واجباً، وما تخيلنى عصا، ما اتخذته جبرا، وما اتخذنى اختياراً، حر أنا و حر هو.
اخترت أن أكون عبدا من عباد جهم بن صفوان، بخور الطاعة شعيرات صدر شبابى، شموع التسليم قامة كانت فى وضع انتصاب، ورغم ذلك أظل لا أبلغ النهاية،
لا نهائية الطاعة،
لا نهائية العصيان،
لا نهائية الجبر بينهما ..
أنا.. أظل أنا، البداية الحقيقية للانطلاق إلى القمة، والتردى الأخير إلى القاع فى ذات الوقت، إنه أنا صفر الخواء.
بقليل من الإيمان تنشأ علاقة كينونة متبادلة بين طرفيها 00 رب 00 عبد 00 وحين يعدم العبد لاتكون العلاقة 00 ولا تكون الكينونة 00
بقليل من الإلحاد توجد علاقة كينونة متبادلة بين طرفيها 00 إنسان 00 كون 00 وحين يعدم الإنسان لا يكون الكون ولا تكون الكينونة 00 فحين يبدأ الإنسان كمركز لكل شئ حوله 00 ثم ينهار المركز 00 تتداعى لإنهياره الأطراف 00 فينهدّ الكيان برمته 00
المعضلة الحقة هى أننى لا أجدنى أملك ذلك القليل من الإيمان لأكون أو لا أكون فى العلاقة الأولى 00 ولا أجدنى فى ذات الوقت أملك ذلك القليل من الإلحاد لأكون أو لا أكون فى الثانية 00 وهنا ليس للطرفين أعراف 00 فإما أن تكون أو لا تكون فى واحدة 00 وإما أن تكون أو لا تكون فى أخرى 00 وبمجموعك هذا 00 مع القليل من ذاك لن يحملك لأى مرحلة من مراحل الآخرة 00 مع الرأفة 00
ربما كان من الأفضل لك لو حاولت أن تكون مؤمنا 00 لا لشئ ولكن بفرضية منطقية خالصة 00 فإذا عبدت إلهك وأخلصت فى عبادته قدر إستطاعتك وأتت لحظة موتك 00 وبموتك يموت الزمن بالنسبة لك فتقوم قيامتك 00 فإذا وجدت إلهك هناك كانت مفاجأة سارة بالنسبة لك 00 أما إذا عملت وعبدت وأخلصت ومت ولم تجده 00 فأنت لم تخسر شيئا 00 وخسر هنالك المبطلون 00
فى بلد كمعادلة رياضية من مجهولات لا تنتهى بدأت رحلة التمرد والنهاية.. البلد.. أى تغيير فى أطرافها يغّير المحصلة، وإذا كانت التهمة بهذه الخطورة تثور آلاف من علامات الاستفهام.
ولكن لنعد للمعادلة .. كأى محام عادى باهت كما هم الآن، إذا كانت الأطراف صفرية، والعلامات غائمة مائعة كانت المحصلة صفرية أيضا، ربما كانت جريمتى أننى جعلت المحصلة صفرا مختلفا عن الصفر الذى كانت ستكون عليه المحصلة لو لم أتدخل،
تلك تهمتى ومصيبتى.... ذلك أنا ،
،، بدأت الشرطة عملها بالبحث عنى ثم انحلّ قلم المخبرين والمرشدين منها لينتهى من البلاد، تم بعدها القبض علىّ ثم انحلّت الشرطة بعدها لتنتهى الشرطة من البلاد.
القضاء بدأ عمله بالحكم علىّ ثم تفرّق القضاة بعدها لينتهى القضاء من البلاد.
السجن فتح أبوابه ليبتلعنى فى جوفه تسعة أيام لأولد بعدها من جديد وليهدم السجن بعدى لتنتهى السجون من البلاد.
آدم أنا...
وكما الأشياء معكوسة فى زماننا، فأكون أنا آدم معكوساً، بدأت به الحياة، وانتهت بى الدنيا،
أخذت الأشياء معه مسمياتها، وأخذت أنا مسمياتها معى، لتبقى الأشياء، بلا أشياء.
آدم أنا، الخطيئة تبدأ به وله، وأكون أنا من أنهاها بخطيئة أكبر، خطيئته فمّية، أما أنا فجبرية، كلانا أنا،
ألست من منيّ آدم،
ألست من بنى آدم،
ألست أنا،
الكل من حولى ينتظر آداء مهمته لتنتهى بعدها مهامه فى الدنيا.
هذا يخلع عنى ملابسى، ويذهب،
ذاك يقدم إلىّ لباس السجن، ويذهب،
هذا يفتح لى زنزانتى ويغلقها خلفه، ويذهب،
وهذا يقدم إلىّ طعام الأيام التسعة دفعة واحدة، ويذهب،
عشماوى ينتظر على شوق ليذهب هو الآخر، إلا أنه كان عليه أن يحترق انتظاراً، أو ينتظر احتراقا، هو وذلك الشيخ المعيّن من قبل الأزهر ...
التعيين آفة معادلة الوطن، سوس ينخر فى أطرافها الرياضية، ظهر يحمل جراثيم فساده فى صلبه القويم القديم، كان على الشيخ فعل الشئ نفسه، الانتظار، الاحتراق، تلاوة كلمات لم يعها إلا لسانه، ليذهب بعدى،
مهم أنا،
التربى، هو أيضا ينتظر جثتى ليدفنها، ويذهب،
،،،،،،،،
الكل ينتظرنى، أنا،
من قضى عمره ينتظر البعض، ينتظره الكل، أنا،
من باع الأحلام والوقائع معا ليشترى ذرات الشقاء فى تهاويم الرياح،
أنا،
من ترك كل شئ ليلحق باللا شئ، تخفف عن كل شئ ليحمل اللا شئ،
أنا..
من انتظر من لا يأتى، من تحدث لمن لا يفهم،
من وزن لمن لا يُقّدر، من تجمّل لمن لا يبصر، من ضعف عند من لا يرحم، أنا،
احتفالا بآخر مهامه العسكرية المقيتة، أمر مأمور السجن قبل أن يذهب هو الآخر بإحياء عادة قديمة، ما كان لها من معنى قديم، ولا حديث، مشرف على الموت يخيّر ؟؟
مجبر يخيّر ؟؟
ماذا تريد قبل أن تموت ؟؟؟ أين الأوراق التى تحتمل بلايين علامات الإستفهام !!!!!!! أين الأوراق التى تحتمل بلايين علامات التعجب ........
ماذا تريد ؟ قبل أن تموت !....
قبل ثمان وأربعين ساعة من موعد التنفيذ دخل علىّ نائب المأمور ضجراً، كان على المسكين أن ينتظر سبعة أيام قبل أن يذهب، فى معادلة بلا نائب تثور المعضلة،
وبوجه ثلجى، وعين سمكية، وبصوت محايد لكومبارس فاشل فى دور متكلم فى فيلم ساقط، أعاد السؤال: ماذا تريد ؟ قبل أن تموت !
فاجأنى السؤال..
أالآن تسألوننى ماذا أريد..؟ سأتغاضى عن بقية السؤال
،، الآن، ماذا تريد..
أين لى باسم اسحق الضاحك حتى أموت ضحكا..
أنفقت عمرى يا سادة حتى تعلموا ماذا أريد، بلا طائل، أضعت حياتى يا سادة – ربما كانت ضائعة ضائعة – حتى تفهموا ماذا أريد، بلا جدوى، إننى أريد،
ماذا.... ماذا يمكن أن أريد الآن.. وماذا ينفع أن أفعل.. لا يمكن أن تتحقق أحلامك الحمقاء هكذا، أريد .... أريد أن تعود الساعة إلى الوراء، لا لأفعل شيئاً مغايراً، ولكن لتأتى الساعة بآخر استحق الحياة، لا لتعيد شيئاً، ولكن لتعيد ترتيب الأشياء،
أريد أن تصغوا إلى كلمات طواها الأثير، تطوحت ولهانةً فى الفراغ، تبغى إنساناً ماركونى العقل والإحساس، لا لتغيّر شيئا، ولكن لتتغير هى ذاتها، فى البدء كانت الكلمة، وفى النهاية تعدم ؟ !
أريد أن أكون شجرة أو غصنا أو ورقة خريفية شمطاء، لا تقبل ربيعاً، ولكن ترفض الخريف..
أريد أن أكون حجرا أو حصى أو ذرة رمال تائهة بين الأقران..
لا تفرّد بعد اليوم.. التطابق التام أو الموت الزوؤام،
لا لأبيض الأمس، ولا لأسود اليوم، ونعم لرمادى الغد وكل غد..
أريد للحلم أن يتجاوزنى، يتركنى، يرفسنى كطفل تجاسر وامتطى صهوة فرس رائعة القوة والجمال ... أريد- لو كنت عاديا - أريد امرأة.
لم أنطق إلا بآخر كلمة..
كاستنباط حجبت مقدماته وانجلت نتيجته، أريد امرأة، كررتها على مسامع دهشة الوجه الثلجى، البرد بدأ يتفصد عن جليده، أقصد جبينه، ثم صحت بها مدوية، أريد امرأة، ألا تفهم، لم أرد أن اسأل المستحيل، ألا تفهمنى، تركنى ولملم دهشته وانطلق.
لم يكن نائب المأمور ليناقش الأمر فى ذهنه، النواب لا يفعلون، لم يكن ليفهم، كان عسكريا بمعنى الكلمة.
لم يعد فى السجن إلا هو والشيخ وعشماوى.. و... أنا
دائما فى المؤخرة، ربما حاولت دائما أن أظل كما قدّر لى أن أكون، ولكن أبداً لن أكون معطوفاً على أحد، أو مجروراً بأحد، أو مرفوعاً بأحد أيضاً، ربما كنت مجزوماً بالسكون أحيانا ... أحيانا كثيرة.
بحركة لا إرادية ضغط زرّ فرّاش مكتبه، لم يكن هناك كهرباء، ولكنه فعل، لم يكن هناك زرّ، ولكنه فعل، لم يكن هناك فرّاش ولكنه فعل.
وبحركة لا إرادية لبى الشيخ وعشماوى النداء وهما بالجهة المقابلة لمبنى الإدارة، دخلا عليه فى لمح البصر أو هو أقرب.
ابتسم صاحبنا لذكائه العسكرى، أشار لهما بالجلوس، ترددا قليلاً احتراماً لذلك الذكاء، أو لهذا العسكرى، أو لكليهما فيه، المهم أنهما قد جلسا يحدّقان فى بعضهما البعض.
المذنب يطلب امرأة ..
ألقى بها على مكتبه لتتدحرج منه إليهما، فغر الأول فاهه، وبسمل الثانى وحوقل، ثم انتبها إلى أنه من المفروض أن يفعلا العكس، فالأول هو الشيخ، المسموح له أن يبسمل ويحوقل، والمأمور بأن يفعل، والمعيّن لكى يفعل، والثانى هو عشماوى، المأمور بدوره أن يكون أبلها، فيفغر فاهه ... سرعان ما تداركا الأمر، وتبادلا مقعديهما، انضبط الحال قليلا..
- إمرأة، ماذا يعنى بإمرأة ..؟
أمه ..؟
أخته ..؟
زوجته..؟
ابنته..؟
ليس له أى منهن، لم يكن له أن يكون له مثلهن.. صاحبة..؟
ولا هذه أيضا.
ثم لو كان له مثلهن، فقد ذهب الجميع.
قالا لنفسيهما، ثم تداركا، ولم يبق إلا نحن.. و.. هو.
...
- الوقت يمر وفى ظرف أربع وعشرين ساعة يجب أن تكون هذه الـ"إمرأة" أمامه، مفهوم، لا نريد خللا فى النظام. وقام على الفور بكتابة يومية سير بمأمورية، وفى خانة المأمورية التى سبقت خانة القائم بها كتب بكل تلقائية " البحث عن امرأة "...
أالآن تبحثون عنها ؟
البحث عن امرأة، لقد كانت بينكم، أضعتموها يا سادة، جعلتم بعضها سجيناً لترهاتكم، وجعلتم بعضها الثانى سجيناً لترهاتها، وجعلتم ما تبقى سجيناً وحسب.
وأنتم السجن وأنتم السجّان، تبحثون..
قل ابحثوا كثيرا...
توقف القلم فقط فى خانة اسم المكلّف بالمأمورية، أقلام العسكريين لا تتوقف..
أيكتب النائب..؟
أم يكتب الشيخ..؟
أم من الأفضل أن يكتب العشماوى..؟
... لم يستوعب أن يأمر هو وهو ينفذ، فاستبعد الأول.
ولم يستطع أن يكتب الثانى احتراما لما بقى من مهابة الشيخ، حتى لو كانت هذه هى آخر مهامه، وبعدها قد لا يكون كذلك من الأساس.
ولم يستطع أن يكتب الثالث، فالأوامر تقول بوجوب عمل بروفة إعدام قبل التنفيذ بثمان وأربعين ساعة مرة، وقبله بأربع وعشرين ساعة مرة أخرى وأخيرة،
لم يكن ليخالف الأوامر..
كان عسكريا..
فليخالف الدين إذن وليرسل الشيخ نفسه ليأتى بالمرأة، مجرورة بالباء، أو بغيرها، المهم أن تأتى.
...
كتب الشيخ فى خانة المكلّف.
المكلّف لم يكلف نفسه عناء التردد، كان آخر من فى هيئته انصياعاً للسلطة، سلسلة بعضها من بعض، أراد أن يختمها بما بدأت به، أمسك بورقة المأمورية وانطلق إلى اللاجهة.
أربعون بابا للخروج، محرّم عليك تسعة وثلاثون.
أقصد متاح لك التسعة والثلاثون، الأربعون هو المحرّم.
شجر الجنة كله كان متاحا، إلا شجرة.
مائة باب فى الليالى الألف وواحدة، تسعة وتسعون فى يدك، إلا المائة، تتكرر العبثية بحثا عن إجابة جديدة، الأمر معروف مسبقاً، أسبقية العلم لدى الواحد، وأسبقية الجهل لدى الأصفار الباقين.
... هل ما هو متاح يمثل بديلا أختار بينه وبين غيره؟
الجبر نفى الإختيار...
جهم بن صفوان نفىّ واصل بن عطاء ... الأشعرية يمتنعون..
حين يكون أمامك طريق واحد فلا اختيار لك ولا حرية، هكذا تكلم لويس كارول..
ربما تهبط إلى سابع أرض، أو تموت قبل أن تصل إلى بلاد الواق الواق، بلا قضيب ولا قبعة اخفاء ولا جن ولا ساحرات ... لكنك تمردت..
صاحبنا أراد التمرد، حتى فى آخر مهامه بالخدمة الأزهرية. توجه مباشرة صوب الباب المحرّم للخروج من السجن، لم يعرف أنه باب الخروج الوحيد. العبثية ما زالت هى الأعلى، أغلق البوابون جميع الأبواب الأخرى وذهبوا مع من ذهبوا.
الباب المحرّم كان مفتاحه مع المأمور، وقّع على استلام مفتاحه على ورقة عسكرية باهتة، وبختم عسكرى غائم، وبصيغة عسكرية صارمة لدرجة السخرية، احتفظ بمفتاحه معلقا فى رقبته، بعد أن حذره سلفه، كان الباب الوحيد للخروج.
توراة أمّحت أسفارها إلا الخروج، ويبقى الخروج... أسفله النهر، فما عليك إلا أن تحتضنه بقفزة هائلة، أقصد سقطة هائلة، ربما كانتا قفزة وسقطة معا، هائلتين، ليحملك إلى السفر المتبقى.. الخروج...
لم يعرف المأمور قبل أن يرحل وطيلة أكثر من ثلاثين عاماً أنه لم يكن هناك باب، كان قد تحطم قبل مائة عام، وإن ظل مأمورو السجن يتعاملون مع ملائكته الخشبية الحاضرة، أو ما تبقى منها..
اختل توازن طلبة "ميز" السجن فوقع أزان العدس على الباب المهترئ أصلا فكسره.
أن ترى سجنك طيلة عقوبتك حتى إذا مررت على باب مفتوح عميت، مائة عام يمر المسجونون بالباب المفتوح صباحا ومساء، محاولات الهرب كلها، الفاشل كلها ، كانت تتم من التسعة والثلاثين ..
.....
توجه إليه، لم يجده بابا ووجد الحرية عنده، تسعة وخمسون عاماً لم يرفع رأسه ليبصر هذه الكوة الرائعة، السجن على ربوة، الربوة عالية، تجرى من تحتها الأنهار، أفرع لنهر واحد، تعدد فى إطار من الوحدة، الأفرع تنتهى كلها عند الحرية، تشير إليها، كتمثال حجرى فى مفترق الطرق، يشير ولا أحد يفهم، غايتك تفك طلاسم بكم الإشارات، لم يكن عليك إلا أن تترك نفسك للسقوط ... السقوط حرية
لم يخلع الكاكولا، ولا العمامة، ولا المداس المراكشى كما يسميه المجاورون، لم يخلع شيئا، أراد أن يغتسل حتى العظام، كما اتسخ، سقط
الباب يفتح من جديد ...
لا صوت لوقع أقدام عسكرية ثقيلة قبله، لا شئ ...
فقط يفتح ليدخل العشماوى، يجذبنى من يدى اليسرى، أسير معه، أحسبها النهاية، وأظن أننى مواقع عبثى، وملاقٍ مصيرى، أسير بخطى ثابتة ...
أن تخاف فهذا معناه أنه لا يزال بداخلك أمل للنجاة ... حين تتيقن النهاية لا تخف..
لقد عشت نقطة فى فراغ، صفراً فى خواء، ربما كانت النقطة بداية كل شكل، وكل شكل يتكون من مجموع لها، ربما كان ذلك قدرك، أن تضاف لآخرين لتكوّن شكلاً ما، مسخاً ما ... فتمردت، وكنت اللاشكل، وكنت اللامسخ .. كنت اللا وحسب..
كن أعرافيا.
حاضر.
كن على اليمين.
حاضر.
كن على الشمال.
حاضر.
لا تكن.
حاضر.
كن.
حاضر .
كنت أسبقه بالفعل، ومع ذلك ظل مصمماً أن يمسك بملابسى من الخلف ليظهر أنه يجرّنى جرّا، لم أتلفت حولى لأرى ذلك الفراغ المعتم فى الصباح، لم أشم تلك الرائحة العطنة لأرضية لم تر شمساً طيلة قرون، لم أسمع شيئاً، لم يكن هناك شئ ليسمع من الأساس، فتح الباب ودخلت.
الغرفة رائعة، كقاعدة صواريخ فرنسية، تحمل صواريخاً يابانية، تطلقها أياد أمريكية، وتتلقى التهنئة آذان مصرية فى عصر السماوات المفتوحة، كمؤخرة علق مترف، نظيفة تماما...
حبل متدلى، تحته هوة صغيرة، فى قاعها تستقر عربة كارّو للتربى، ما إن تسقط فيها الأمانة، الجثة، أنت، حتى ينطلق الحمار بها إليه،
الحمير تعرف جيدا ...
بالطبع كانت هناك عصا للشد فى جانب منها، تفتح ضلفتى الهوة، الضلفتان كسرتا، لحقت بهما العصا بعد ذلك، أو قبله ... ثم ساد عرف تواتر أن يثبّت العشماوى الحبل حول رقبة المشرف على الموت، حين تكون كذلك لا تدعى مذنباً، ثم يأمره أن يسقط نفسه، السقوط بقفزة إلى الأمام.
القفز فى الظلام وأنت معصب العينين، فى ظلمات ثلاث بعضها، فوق بعض.
ظلمة الحجرة..
ظلمة العمى..
ظلمة المعصية، والسقوط، فى تابوت خشبى يجرّه حيوان أعجمى، يشعر بما تبقى منك فينطلق بك نحو اللا..
....
ثبّت عشماوى الحبل حول رقبتى، كنت مرناً للنهاية، مرّت بى مواقف أسوأ من هذا، أظل متفرّجا، أنفعل قليلاً، وربما بكيت تأثراً، أتعاطف قليلاً، وربما تبرمت غيظاً، أضحك قليلاً وربما بكيت ألماً، لكننى أعلم حق اليقين أن فى نهاية الأمر ستضاء السينما، وينتهى الفيلم، ويتزوج أحمق من حمقاء، وسيضاجع أحد المشاهدين امرأته عندما يعود،
وكعامل فى قطاع خاص، يطلع بأكثر من منظر، البطل والبطلة والخادمة والصينية والأكواب والحائط والعمود والخازوق والإلية والخرم و.... عشت حياتى بكل هذه المناظر، رجلاً بألف وجه، لا يكذب بأحدها على الآخرين، بل هو هو نفسه فى الألف وجه.
اليوم لست كذلك، كنت أنا، فقط أنا..
النشوة هى الأعلى هذه المرة، لم أشعر هكذا من قبل.. وضع الكيس الأسود على رأسى، الانتقال من الظلمة إلى العتمة كان مفاجئاً، رأيت أطيافاً عدة، أغمضت عينى، رأيت أبعد، أوضح، تمايلت من النشوة، اقتربت الأطياف، لم تكن بيضاء ولا سوداء، الرمادى الخالد سائد فى النهايات أيضاً.
لم تكوّن الأطياف فريقين ينازعانى، كانت لطيفة، تدور حولى، فقط تفعل، تصحبنى فى طريقى النورى الشاحب، أشكالها من حولى ترسم لى الطريق، لطالما رأيتها فى أحلامى القديمة ...
أردت التمرد ثانية على الطريق المرسوم. كما العقاب قدر، التمرد قدر أيضاً. هممت بالإنحراف عنه، تبددت الأطياف، حاولت نظمها من جديد، الفشل سيد ثان، وأمسك بى العشماوى..
- إنها بروفة.
وشرع يفك عنى ما حررّنى، ومضيت خلفه أجر قدماى، ممسكا بملابسه من الخلف كى لا أسقط 00




مثلما تبدأ أقدم مهنة فى التاريخ وأولها، ينتهى بها التاريخ، "فوكوياما" لا يعلم ذلك الآن، لم تكن لها قصة كمثيلاتها، قصص مكررة، أسوأ القصص..
كل ما يفعله هو أن يجعلك تزيد من الجنيهات التى ترميها على السراحة الغائمة وأنت تغلق سوستة بنطالك وتنطلق مثل أحمق صدّق مثلها.
....
....
- على فكرة، أنا بنت ناس بس الزمان جار عليا ... أبويا مات وسابنا صغيريين، وكان لازم أضحى عشان اخواتى، والشارع مبيرحمش، الظروف خلّتنى أخدم فى البيوت، وسيدى كان عايز حد يروّقه ...
هى اختارتها مهنة لها، لا أحد يعرف عن أصلها شيئاً، ومثلما لا تقل مثلهن، لا تفعل مثلهن، فقط تتمدد، تتعرى، تتفتح، تتلوى، تتجمع، تتستر، ينتهى الأمر بعده وينتهى معه بعضها، قاربت على الأربعين، اضطراب الطمث يجعلها أكثر غرابة، الباقيات انتهين لتوهن، وذهبن، هى لم تنته بعد، عليها أن تنتظر سنوات طوال تفصله بين أحلام كادت أن تتحقق.
ابحث عن الرجل.. لم تبحث هى، ربما فعل هو ولكنها لا تعرف..
ربما لا يزال يكتب فى طهرها قصائده الساذجة، ربما ... ربما لايزال يبحث عنها، البحث عود على بدء، البدء من جديد استحالة، المحال لا يحدث فى الزمن العادى ... ربما..
أن تختار مهنتك فى زمن تصير فيه المهنة قدرا، فهذه لك، أن تحب ما تكون لا أن تكون ما تحب، وترضى، هذه أيضا لك، وتبقى العقوبة وحدها قدر عليك، عليك وحدك، شقاء بلا موت.
مدّت بصرها إلى الأفق المخنوق بين السماء والأرض، وبين آفاق أخرى فى الخلفية الأبدية، تفض بكارتها رؤية، تقطعها بسكين بصرى حاد، يقطع نسيج الآفاق المتخيل ... شيخ بعمامة وجبّة وقفطان ومداس، يقطر ماء فى قلب الصحراء، يتوجه نحوها.
الشيخ فى المنام نصرة، ترى ماذا يكون فى أحلام اليقظة نهاراً..؟
العمامة دائرة الخطيئة، تبدأها أول الأمر، حتى تبدؤك هى بعدها، ولا تنهيك. القفطان عرّى مقنّع يكسوك عاراً، الحزام الأحمر اللامع، دماء طمث دار على حرام، ونزل ببويضات تلعنك طيلة ثمانية وعشرين يوما قادمين، الجبّة محاولة يائسة للتستر عرياً، التعرى ستراً، وبلا جدوى، المداس، حلم ضائع يجعلنا تذكّره أكثر انحطاطاً، فندوسه وننداس منه، حتى لا يسيطر على رؤوسنا من جديد...
الطريق من النهر إلى المكان بعيد، ما هذه المياه التى تقطر منه..؟ الماء طهر، يقدمه الإله كورقة بيضاء فى ميزان عادل أمام من تيقن الهلاك بعمله، تقلب الميزان لثقلها.
ربما كانت " لا إله إلا الله " قلتها خالياً فإدخرناها لك، ربما كانت اسماً من أسمائه، لا هو من أسماء الجمال، ولا هو من أسماء الجلال، إنه، إنه الاسم المائة، الاسم المحرّم.
الإبداء إخفاء، العلم الحقيقى، علم إشارة، فإذا صار عبارة خفى، فتحت عينيها لتراه قادماً، يقترب أكثر، يقطر أكثر، يصبح ماءً، تختفى الدائرة والقناع والدماء والمحاولة والحلم، ويبقى الماء ... نعم يبقى الماء
وكمأذون شرعى فى فيلم عربى تحدث إليها.
- ....
- ماذا ؟؟
- ...
- أيحتاج إلىّ أحد إلى هذا الحد؟ .. ومن هو ؟؟
...
نعم ..!! مشرف على الموت !!!
لم يفعل أحد قبله، بعده هو، هو، من تركنى بلا داع، بلا ذنب، بلا شئ، فقط ذهب، فقط فعل، قبل أن يحين موعد الذهاب، أراه فى أحلامى، يحلم بى، ولكن، ولكن فات الأوان أيها السيد الرجل، أعلم مكان بيته القديم، وبيت أخته القريب، ومعهده الذى كان يدرس فيه، ولكننى لا أعلم كيف أعود..
....
لم اسمح لشئ فى حياتى بعده أن يتكرر، لم أفعل مع رجل واحد مرتين، لم يخط عتبتى إلا كل جديد مائع، باهت، شاحب.
لا حق لأحد أن يحتكرك مرتين ..
لا حق لأحد أن يحتقرك مرتين ..
التكرار يميت العاطفة ويطفئ جذوة القلب، فإذا لم تكن هناك عاطفة ولا قلب، فسيميتك أنت.
لم أشغل نفسى يوما بتخيله..
كيف أصبح شكله اليوم.. ؟
ممن تزوج.. ؟
تراه أنجب.. ؟
وهل أسمى طفليه بأسماء اخترناها معا ذات يوم.. ؟
لم أشغل نفسى، لم أجدها بعده لأشغلها أو لا أفعل، ولم أنشغل أنا نفسى، توقف الزمان به عند ليلتنا الأخيرة، اختفى الكره من خلفيتها شيئا فشيئا، تلاه الحقد، وظل هو.. هو، شاب فتى نابض ذكى، رائع .. أعلّق صورته فى صدرى.
وكأى امرأة تقترب من نهايتها كأنثى، وكأى امرأة تحب شابا يصغرها بعشرين عاما، استمرت العلاقة بيننا، هو على صدرى، وأنا أتوق لأسمو إلى ما تحت حذائه ...
سأذهب .. سأذهب إليه، أقصد إلى ذلك الشاب، سأكون له فى تلك اللحظات المتبقية أمامه، أو خلفه، فقط الباقية، لن أكون آلية فى الجنس، سأكون معه، وله، هو، وسينزل من على صدرى ليلج فى جسدى.
الشيخ لم ينظر إليها، لم يكن ابنا لعمران، ولم تكن بنتا لشعيب، تسير بجانبه، يسترق النظر بينما هو يحوقل، الماء ما يزال يقطر منه، انتظرها طويلا، أخذت زخرفها وازّينت، زليخة هى، ترى الدنيا مختلفة عند سماع اسمه، تخلع حلّيها كله لمن يقول إنه رأى يوسف، ارتدته هى بكامله لكى يراه هو، يراها هو.
....
لم يبق إلا ثلاثون ساعة..
....
وأمامنا ست ساعات فقط لكى نصل.
....
التسلق كما السقوط سمو، الصعود هبوط إلى أعلى، ترى من أين أخذ العلو قيمة سامية، ومن أين أخذ السقوط ذلك الحضيض " وقلنا اهبطوا.." .. ربما، "يرفع الله الذين.."، ربما الأمر يحتاج إلى تمرد من نوع جديد النزول لا يقل سموا، الهبوط لا يعنى الحقارة، السقوط لا يعنى النهاية..
كما يسمو الإنسان إلى الخطيئة، تسلقت خلف الشيخ ربوة السجن المنيع .. الرقى يبدو سقوطا.. القمة كالهاوية حين تنظر إليها من أسفل، أو حين تنظر لها من أعلى، كليهما مختلف عما أنت فيه الآن..
حينما تتحدث عن إحداهما، فتأكد أنك فى الرمادى، لا فى هذه، ولا فى تلك..
حين نكون فى قاع الهاوية – واسأل أهلها – لا يشغلنا إلا الخروج منها، لماذا لا نفكر فى القمة وقتها ؟؟ إنه النقيض الموازن، والضد المعادل لما نحن فيه ... حين نكون على القمة، تغرس قضيبها المنتصب فى مستقيمنا الفخور، وكقضيب من البراز نحتفظ بها، كطفل غرير فى تحليل نفسى أكثر طفولة، وكذلك لا نفكر فى الهاوية، أين سنكون بعد ؟...
الأمر لا يشغلنا كثيرا، لن يكون هناك بعد، الهاوية بدورها نقيض موازن ضد معادل، ومانع لو نعلم .
شقوق الربوة الشبقية، جروح التسلق تسعدنى كثيراً، ما زالت هناك دماء تخرج منى، الأيام الأخيرة أعيش فى هاجس انقطاع الدماء، كاذب، ولكنه رهيب..
أريد أن أصرخ، أيها الرجال، ما زلت امرأة، نعم، ما زلت امرأة، الطمث لم يزدنى، ولن ينقصنى، كنت قبله، وسأكون بعده، إنسان وإحساس، كائن وكيان، أتريدون أن أعدّد لكم أعضائى جميعها لتعلموا أننى لست فرجاً فقط، لست خرقاً فقط، لست طمثاً فقط، لست وعاءً فقط.
هل كان يجب أن أكون أما لأظل امرأة عليها دليل.. ؟
هل كان يجب أن أموت قبل انقطاعه حتى أكون قد حييت ومت كامرأة ؟
هل..
أفاقت على ابتسامة الوصول على محيا الشيخ ..
خلقت الدنيا فى ستة أبام ، وخلقت الخطيئة فى ستة أيام ، أما التجربة، ففى أربع وعشرين ساعة،
لو كان عقب الباب يسعها لألقاها إليه من خلاله،
لو كان عقب الباب يسع استدارة ردفيها، وتكوّر ثدييها، وبضاضة جسدها، لألقاها.
فتح الباب، كان قد فتحه العشماوى قبل ليقوم بالبروفة الثانية، عاد أشتاتا، مبعثراً، جلس يلملم ماتبقى، مستنداً بذقنه على ركبتيه المضمومتين إلى صدره، فتح الباب ... يظل للأبواب المفتوحة سحرها أيضاً..
تتوقع، تستنتج، تستبعد، تتمنى، تتأكد سلباً أو ايجاباً، أمنية أم واقعاً، فقط تتأكد.
كان قد رسمها بأفكاره على الباب من داخل الزنزانة، "أنتيجونته" المحبوسة معه تتوحد مع رسمه، تنطبق على رسمها، تتعملق، تتمرد على أحلامه حتى تصير واقعاً من فرط صدق الحلم، ظهرت كسلويت رائع الحدود عند فتح الباب لثوان، وعندما أغلق، بدأت العتمة تظهر الملامح شيئا فشيئا.
لم يدريان كم مضى من الوقت يقتاتان الصمت تباعاً، كم مرّ من الزمن عليهما يتبادلان النظرات الخرساء، انفلتا من نطاق الزمان والمكان معاً ...
معادلة نسبية بلا حديها الرئيسيين، الزمان، والمكان، أربع وعشرون ساعة، أجلسها أمامه، وظلا يحكيان، يسردان، يقصّان أحسن القصص، كررا ماقالاه صمتاً، وقالا ما صمتاه كلاماً ...
....
....
....
سعيد أنا لأنهى حياتى بك.
....
....
سعيدة أنا لأبدأ حياتى بك.
....
....
أربع وعشرون ساعة، لم تتحرك بينهما رغبة، ومع أول ضوء، اقتربت الأقدام بالخارج، انتبها، نظرت إليه، خلعت ثيابها على الفور، خلع ثيابه أيضاً بتناوب حميم، التصق الجرحان، الكسران، القلبان، الجسدان، الروحان.
....
الدق بدأ بالخارج والداخل ... باب غرفة الإعدام يحتاج إلى دق ليفتح للموت.
بابها يحتاج إلى دق هو الآخر ليفتح للحياة.
العينان فى العينين، حين شعرت باقترابه من الذروة ... تململ، أراد أن يعزل، صممت العينان الرائعتان، ضمّت وركيها عليه ليقذف بالداخل دهشته الأخيرة.
لا شئ يهم بعد الآن ... فُتح باب غرفة الإعدام .. اقتربت الأقدام من زنزانته، اقتاده العشماوى إلى الغرفة، أمسكه من يده اليمنى، تعلقت به من اليسرى، سارا كعروسين رائعين، كان يرتدى بدلته الحمراء، كانت بلوزتها حمراء أيضاً ..
الدم لا يعنى الموت، الدم حياة ...
كانا محلقيّن فى تهاويم النشوة وإبداعات اليقظة الحالمة ...
اقترب باب الغرفة سريعاً، لم يودّعها، نظر فقط فى عينيها، رأى سلساله فى إنسانهما الرائع، دخل قبل عشماوى، أغلق الباب سريعا، سمعت صوت ارتطام الجسد بسطح خشبى سفلى بعد قليل، انطلق الحمار بحمله نحو اللا..، وانطلقت هى باتجاه الصفر من جديد ...







صفر
الأسماء أقدار، فإذا كان كل شئ مكتوب، فالإسم أول ما ينقش فى لوح القدر، فلا يكون الإنسان بعدها مثل الكتاب أخفاه طىّ، وإنما يكون مثل الطريق، طريق للسلامة، وطريق للندامة، وطريق اللاعودة، ومتى وضع الإسم نفى الاختيار.
تسعة أشهر كتسعة أيام سجنه، وبعد أن ذهب الجميع يأتى نسله إلى الدنيا.
... أخبرها الشيخ وهى خارجة فى عكس اتجاه العربة الكارّو أنه عقد قرانهما بينه وبين الله، ويشهد أمام الجميع – لم يعد هناك أحد – أنهما زوجان.
كانا زوجين، لا شئ يهم ...
دائرة العمران تعود فى غضون الشهور التسعة، تبدأ بالبداوة من جديد، البدايات الجديدة بديل للنهايات المخجلة.
آه لو تنشق الأرض وتبتلع كل من اطّلع على ماضيك، عندئذ ستبدأ من جديد، بين الناس وليس بينك وبين ذاتك.
حدث ذلك معها، الصحراء، تلك الصفحة الدائمة البياض، تلائم صفرية زوجها، وصفرية نسله من بعده كزوائد حجرية فى هذا الجسد الممتد .
الصحراء، ذلك الامتداد اللاهب الطاهر النقى، بطن ضامر من بطون قبيلة ما، أعيّت الترحال وأضنت الأسفار، واستقرت حيث النهر .. كان الظلام متوجاً، فكان فى المساء ليلاً بلا نجم، وكان فى الصباح جوعاً بلا قلب ...
وكانت صيحة التمرد من حلق وليد كتب فى لوحه قدره.
صرخت أم البنات احتجاجا على ملك الظلام، ليس لدى الأصفار ما تخسره، ثم عادت فى الصباح لتسقط الأمطار ولتُنبت للجوع قلباً، هكذا تجئ الشرارة ...
وهكذا يتقوض حكم الطغاة المعمّرين 00 لا حاجة لتغيير دستور أو مادة ستة وسبعينية 00
....

كان غياب الملك دعوة للفساد، وكان حضوره فسادا فى ذاته.
فى ذلك جاءت ابنة الصفر، عذراء الأعراف، وليداً تهدهده براعم زرع غرسته أياد الديّم من علياءها، وتتلقفه أطلال ملك ماض تشهد أنه لا بقاء لأحد، لم يبق أحداً..
أكثر من فأل حسن هى، لم يعد البطن ضامراً كما كان، أضافت البشارة إلى شرفه كرماً وغنى، التف الناس حول مهبط المطر، خيمة سوّدها سناج نار ما أشعلت إلا على جذور جافة، أو مياه تغلى ليسكت صوت غليانها، غليان جياع حولها.
....
صار سواد الخيمة دليل على بياض يدها، نيرانها مرشد إلى طريق الحياة، أم البنات، اسم اختارته لها القبيلة، تمرح البنات حولها فلا تفعل، تتقافزن قرب العين، فلا تفعل، تظل ترقب من بعيد، تنتظر من يكشف قدرها وقدرها،
ما كان للأصفار أن يحملوا أسماء.
خطيئة أخرى، لن تغير القدر المحتوم، فقط ستزيده قتامة.
...
اسمها، لماذا يضيف لها عمراً على عمرها، لماذا يقلب حاضرها كبنت، إلى مستقبلها كأم، ولماذا يمحو ماضيها كلما خطت للأمام، الأم لم تتحدث عن شئ فات فى زمن الذهاب، كانت بداخلها تدرك المعجزة، تماما كعيسى لم يسأل عن أبيه يوماً، لماذا ؟
تكاد الكلمة تخرق أذنها حتى ليضطرب الحلق الهلالى فيها.
كانت جدّات القبيلة يلبسن مثله، بينما تلبس الفتيات فتلة مربوطة فقط، هى وحدها التى يليق لها القرط الهلالى،
التسمية قدر للشكل أيضا، وليس للجوهر وحده..
خطّت حروف اسمها ملامح وجهها، فكان لها من الألف القوام المديد، ومن الهمزة الشعر الأسود المجعد، ومن الميم استدارة بطنها، وانثناءة ردفيها،
وتأتى الألف الثانية لتهبها رقبة طويلة تزيدها طولا، وتزيد المسافة بين عقلها وانطلاقاته السامية، وبين جسدها وانفلاتاته الرائعة.
اللام تأتى لتشكل مع الألف الثالثة استدارة الكتفين، كأحسن ما تكون الاستدارة، والأكتاف يحصرن باء ونونا، أو يكنزن ثديين مستقبليين، وتأتى التاء للتأنيث والفتنة فى مجملها.
....
.. أشرقت شمس الصباح ذات يوم على سؤال فى رأسها، الأمومة دور، أم اختيار..
ظل السؤال يدور فى أوقيانوس ظلمات عقلها البكر، يدور، مداره صار مزاراً للأسئلة، طوافاً أسباعاً، أسباعاً، أشواطاً، أشواطاً..
صوت الأم من بعيد ينادى باسمها، عندها علمت أن الأمومة قدر ..
شغلتها صبية أعباء الكبار فحملتها، حتى اذا شاغلتها ألعاب الصبية كانت تبحث عن كلمة للوداع، كلمة لم تقلها، حملت أعباءً، حملت أسراراً، حملت كما الخلاء يحمل أسراراً قيلت، أحداثاً حدثت، زمن الذهاب، السجن، شيخ بعمامة، مياه تقطر.. حملها نسيم عاشق، أو ريح غادر، أو رياح لعوب، أو هواء سكير.
كلهم يبوح يوما، يبوح، ويروح، يذهب، ولا تفعل الأسرار، يحملها الخلاء، يضمها، كأنما يحملها إليها، إليها وحدها.
لم يفعل، لم ينتوى أن يفعل، كان ينوء بحمله فلا يجد إلاّها، يخلو بنفسه وأسراره فلا يجد إلاّها،
هى وحدها، تترك الخباء إلى الخلاء، تترك اللعب إلى الخلاء، تترك الحياة، إلى الخلاء، طغى عقلها على رأسها فصارت عقلا، حتى طغت رقبتها فصارت كذلك، حتى طغت الرقبة فصارت الفتاة محض عقل...
أسكنت الأسرار نصف عقلها، والثانى ترجمته عنها فلتاتها، خطوط ترسمها على الرمال، أشكال تكوّنها من نظم النجوم فى الليالى الصافية.
الخلاء يلعب اللعبة نفسها، صار لاهياً، ترك كل شئ إليها، ضحى بكل شئ إليها، سكن عقلها فأضاف أفقاً فسيحا، كانت تستقبله لاهية عنه به، صار الزمان بهما، يقودانه هما.
ابنة الصفر وابن اللامعيّن، تقودهما هى، وحدها تفعل، تسمع منه أن الأبوة قدر هى الأخرى، إلا أن قدرها أن تموت شابة، الملائكة تفعل الشئ نفسه، تموت شابة، لم تدنسها عبادات الشيخوخة المرتجفة، طهرّتها جراثيم الشهوة وذنوب المقدرة.
قدرة على الذنب، وقدرة على التوبة موتاً، إعداماً.
كأنما كان هذا ما ينقص الصفر، الإعدام،
كان الغريق فلم يضره بلل.
لم تتعد السادسة من عمرها، أحاط بها الجيران، توسلوا بها، البقرة تلد، وهى ثالث بطن تلد فيها للحياة موتاً، أرادوا أن يغيّروا عادة الموت، أو ربما عادة الحياة، لم تعرف هى، سارت معهم، ساقوها إلى البقرة، السواد يحيط بعينيها، فى توسل تنظر لها، تعلم أنها إن لم تنجح ستذبح، أدارت عجيزتها لتستقبل أم البنات، تقدمت هى فى ثبات وبتلقائية، لم يخبرها أحد عما تفعل، أدخلت يدها فى الرحم المرتجف، مالت برأسها على مؤخرة البقرة المستكينة، كأنها تستمع لحديث يدها فى الداخل، ما لبثت أن خرجت اليد بأذنين تلعبان حياة.
سألها الكبار..
....
-كان نائما فأيقظته.
أيقظته، هكذا بدا لها الأمر، لم يبد لمن حولها كذلك. أيقظته من انتظار الحياة إلى انتظار الموت، أخرجت العجل الصغير، نظرت إلى عينيه وإلى عينيّ أمه، ولمحت اللوم والعرفان معا.
الصوت تردده شواشى الذرة ونوّارات البرسيم ولوزات القطن الطيبة على أغصانها، تهمس به أم الشعور إلى الترعة البحرية، تشى به خصلات فروعها المنسدلة فى حياء، فى انحناء، لربوة عالية كان يوما عليها ذلك الشئ فى زمن الذهاب، المعادلة بأكملها تجمّعت فى عقل الصغيرة، حلّها لم يتجمع، أن تحمل سرا ثقيلا ولا تدرى حلّه،لا تدرى كنهه.
كل ليلة تخرج فيها إليه، تناديه، ترسل الرسل تترى، لا يتغير شئ، ولا يتغير النداء، تصعد أحد أجران داير الناحية، وتنادى منها ذرات الكيان:
ياااااا من ...
... الذرات مألوفة لدى نسله الصفرى، رأى ذلك فى عيني الأم ذلك اليوم، آدم لا يزال هو.
تجرى إلى التوتة العجوز فى آخر القرية، ترتقى درجات فروعها حتى المنتهى، وتنادى منها مورّثات النسل فيها:
ياااااا أنت...
يذهب النداء وترجيع الحقول، ولا يأتى حتى الصدى ولا المنادى، تعود، شعثة المفارق، تنوس جدائلها، تارة على صدرها، وتارة على كتفيها، تعود.
... الموجودون لم يكونوا هناك حتى أتوا، كانوا هنا، لم يصبهم النداء، ولا حبسوا الصدى عن العودة حتى يعودوا هم قبله، الموجودون باهتون لأنهم هنا، أما المنادون فهم دوما هناك، يتألقون فى البعيد، اللانهائى، حل الموجود ذات ليلة عرس محل المنادى، ويا ليتها ...
... تزوجت أم البنات، قبلت أحد الموجودين، نسيت النداء والمنادى، نسيت حتى العودة، قبلت، وياليتها ...
... أن تعيش فى الرمادى ذلك هو الجحيم، الأعراف ليست بين نقيضين، الأعراف قاع للجحيم، أو للنعيم، ففى كليهما تُعذب بلا معنى ...
حين يسود الأبيض، يصير للحياة معنى، وحين يسود الأسود، يصير للكفاح معنى ...
حين يسود الرمادى لا يصير لشئ شيئاً، لا شئ يكون هناك عندها حتى يصير أو لا يفعل، تزوجت أم البنات، ليضيف الاسم صفحة أخرى ذات معنى آخر، رجل من القرية المجاورة، بلا اسم، بلا قدر، بلا ملامح، بلا خلاء، بلا أسرار، بلا نداء، بلا منادى، بلا عودة، بلا شئ، فقط رجل.
ظنّت أن عضوه سوف يهب لاسمها معنى فتصير أما، كانت الظنون سحابات سرعان ما أزالتها ريح الذاكرة العاتية، لقد كان يوم الميلاد معنى فى ذاته.
انفراجات الحياة المتوالية بعدها معنى آخر، لقد كانت الأسرار معنى آخر غيره،
لم يهبها عضوه إلا الألم، تتلوى من الأسى، كفرسة ركب فوقها أحد الصبية، فيشدّ لجامها يمنة وهو لا يعنيها، يسرة وهو لا يعنيها أيضا، فقط يفعل، ولا يعنى، كان بلا شئ، الحسرة تعتصر الكرامة، خيالات المنادى تطوف فلا تكتمل أسباعها حتى تموت حولها، تسعى، فلا تكمل أشواطها، حتى تموت بين التوتة والجرن...
تسعة أشهر كسجن العقاد، ينسلّ منها حيّ آخر، لم تشعر أنه وهبها إياه، مرة لأنها ظنّته رسول المنادى إليها، ومرة أخرى لأن المولود لم يكن بنتا،
....
ذكر.. حتى الآن تأسرنا الرغبة الحمقاء، ندور فى إسارها، مدارها الإغوائى، تضطرب النفس حرجا، الحداثة غطاء شفاف على وجوه عمرها سبعة آلاف سنة، نغنى، نمرح، نصف البنات بالرزق، ننتظره، نتوقعه، نتوهمه، لا كرزق، وإنما كعوض...
وننتظر الولد
....
لا تزال تفكر فى تلك الأغنية القديمة، رددتها الصبايا حول خباء زفافها ليلة الحناء.
بس الولا ييجى،
بس الولا ييجى،
....
ييجى ع المحطة،
ييجى،
وأدبحله البطة،
ييجى،
بس الولا ييجى،
بس الولا ييجى،
....
يكبر الولد فى دار من لبن، تاقت ساكنتها لبيت تخفق الأرواح فيه، "ميسون البحدلية" تبعث من جديد، بلا معاوية هذه المرة.
تتوق لخباء ينوس النخيل عند مدخله البحرى، الماعز تمرح عند القبلى، تعلق جرّة عن يمينه تمويناً، جلد الماعز على لبّاد النخيل فى يساره تنويماً، السامر فى المساء، حكايات العين فى الصباح، وصوت الناى الفرح قبل الغروب، ثغاء حملان الجيران، رجوع الغائبين، وأساطير الرعيان ...
الجدران هنا صمّاء، أخذت من أرض قد قطعت على نفسها عهداً بالإخصاب، تئن منها جذور زروع وئدت، تنوح فيها بذور فطيمة فى رحمها، الزير يغيّر طعم الماء، أين الخباء منّى، أين أنا منّى ؟
الولد جاء، يقول أنا الولد جئت، أنا البشارة جئت، أنا الأمل جئت، يردّ آخر، أنا الموت جئت ..
الشاحب لا يدرى ما يفعل، يضاجعها ليلة وفاة ابنهما ليظفر بآخر، تموت ألف مرة، تبعث، تتفتت عظامها تحت ثقل أصابع أبىّ بن خلف وهو يفتت عظاما نخرة سائلا عن البعث ..
سأل الآخر عن الولد، سأل عن عضوه، كانت لا تلمح منه سواه.
.. تسعة أشهر، الولد يأتى، يكبر، الشاحب يتحسس عضوه فى فخر، سلمت، القدر لم يهب للاسم معنى، انفرطت أطراف المعادلة، لم يهب للاسم اسما،
أين الونيسة، أين الجليسة، أين أم أبيها.
....
الأولاد يرثون قسوة أبيهم، البنت ترث حنانه، الذى يفوق حنان آلاف مؤلفة من النساء، حنان خفىّ، كحب بلا أمل، أو كولىّ بلا مريدين، يظل يعبد الله لله، وذلك يحب الآخر فى نفسه..
الإسم لم يوهب بعد، يأتى الموت بشحوبه ليأخذ منافسه شحوبا، يأخذ أبا زوى بعد الموت الثانى.
.. تاريخ أسرتها يؤرخ كتاريخ بشرية، بعد الطوفان الأول، بعد الموت الثانى، بعد أن يضاجعها ليلة الموتين، يبذر بذرة ويمضى، ينظر فى عينيها نظرة قديمة.
يقول كلمة، أحسّت بها هذه المرة. شعرت أنه أرسل رسالة خفى مضمونها، أو أرسل بها رسالة خفى مستقبلها.
تسعة أشهر، تولد الست، الأنيسة، الجليسة، تولد، ليس لأنها بنتا بالنوع، ولكن لأنها صارت كذلك بالأم،
كان القرار، الرحم تطرد جراثيمه البنات، لن أحمل شيئاً بعد الآن، تخطط للأمر، يوم الميلاد، أعدت العدّة للولادة، قماشات مطوية، ملابس نظيفة، طعام مجفف وزجاجة سم.
آلام المخاض تفوق الولادة ذاتها، أن تخلع شيئاً من شئ، أن تخلع حياً من حيّ، روحاً من روح، كان الخلع قوياً، الضربات متلاحقة، الطلقات متلاحقة، والداية العجوز تنتظر...
...
العمّات والخالات بالخارج، ترك لها الشاحب مالا،
القابلة العجوز تشرب النارجيلة على رأس الجسد المسجى، تصنع الشاى بجوارها، تأتى اللحظة، يخرج الولد من الرحم إلى يد القابلة، ويخرج السم من اليد إلى شايها، لا تكاد تزغرد حتى تكتم أنفاسها لتتريث، تشرب كعب الشاى على عجل، تبتسم، تتجه إلى الباب لتسعد الباقين، لا تصل إليه، أحسّت به، الباب، يصل إليها، تفتحه، يفتحها، تدخله، يدخلها، لا يخرج فارغ اليدين، روحها بين يديه، تسمّرت للحظات، التفتت إلى الجسد الشاحب، الأم وابنتها قد جلستا فى وداعة، وابتسامة الراحة تودعها إلى راحة أخرى..








صفر
أن تخدع النمل بأن تكتب على علبة السكر " ملح "، نكتة قديمة، لاتضحك فقط، أن تخدع الموت بنفس الطريقة وينخدع، نكتة خالدة لا تضحك، تبكى، تبكى قائلها قبل سامعها، تبكى موضوعها قبل عبرتها، فقط تبكى، فقط تفعل ...
الهوية أن تجيب على سؤال : من أنا ؟
الشقاء ألا تجد للإجابة هوية..
وبين الشقاء والهوية، لا تفارقه، ولا تدانيها، تعيش حياتك أعرافى الكيان والآمال، أعرافى الوجود، أعرافى ..
نعم كذلك، انتفاضات الروح فى سجن الجسد تتوالى، تتكسّر على شطآن المادة ..
الواقع ينتصر، دوما يفعل، هذه المرة بعد اثنى عشر عاماً...
الست، الاسم هنا ليس قدراً، الاسم هنا عضو، الاسم هنا ليس شكلا، سلوك، ليس عرضا، جوهر،
الغريب أن هذا الاسم لم يكتب فى اللوح، ومع ذلك كتب بحروفه قدر حامله وقدره، تبدّل الحال، لم ترث، الولد لم يأت، واجبة عودة الخباء، طنّت الآذان بأنين طمى اللبن..
تاقت إلى النسيم الجرئ، يدخل الخباء، يكشف الخدور، يجوس فيها تعرية وإنعاشاً، يحمل نبوءات القادمين، أخبار الراحلين، الأشياء تبدو ذات لون واحد، لون الصحراء ..
الوضوح فيها لا تعكّره إلا مشارف القرية، تحدّ الأفق، تقسمه، تغرس سكين السماء فى أطراف الأرض النبيلة ..
تصحو الست فى الصباح على لعق عنزتها لخدّها المتورّد، تشدّ طرف ثوبها البدوى، ثوب عرباوى تزينّه مشغولات أم البنات – جعلت فتلاته أحلام صباها، تبدأ فتلاته من أسفل كثيرة متشابكة، يصعب تمييزها، تنتهى بخيط واحد يشير إلى قلب الست، الفتلات تبدأ معا، تكافؤ الفرص يقتضى ذلك، النهايات لا تؤمن به دوماً،
تشدّ العنزة الثوب من أسفله، تزيد فتلاته تشابكاً، تصحو من نومها، تبتسم لرفيقتها، تسير معها إلى العين،
الرفيقات تتقافزن حول السقاة، سبقنها إلى اللهو، تشاركهن لهوهن بلهوها، الأمور تسير دائماً بطريقتها هى، هى التى تضع قواعد اللعب. تسبقهن دائما، تغلبهن دائما، تحملهن، يخشينها، تزعمت الأحلام فى عقولهن الصغيرة،
....
تغير بهن وبهم، صبية القبيلة على مراتع اللهو فى القرية المجاورة، الأطفال فيها لا تستبين لهم نوعا،
كانت تقول ذلك وهى بعد لا تتعدى السابعة، تضربهم، تأخذ العرائس قطنية الحشو من أيديهم المستسلمة فى ذلة عرفها أجدادهم، من الأرض مرة، ومن السماء مرة، ومن المالك مرات،
تطور الأمر بأخذ جرو صغير من يد طفل، أو هرّة تداعبها أياد قابلة للاستسلام، تطور الأمر حين لم يصبح هناك أشياء تسلب،
ثأر الخروج رضيعة ينهش قلبها الصغير، لم يصل الأمر بعد إلى العقل، ربما لن يفعل ..
الأفق عمر، كلما رأيت السماء تضاجع الأرض فتلده فأنت حيّ، كلما رأيت الأرض تسمو إلى أذيال السماء فأنت حيّ، وحين ترى السماء خطاً يوازيه خط الأرض فلا يتقابلان، فأنت لا ترى... ميت.
أن تسلت نفسك من اللعب والإغارة لتقف على أعلى غصن يحتملك من شجرة كافور شمطاء، كلما شاخت زادت طولا، من هنا يتسع الأفق للتفكير، وبالأخير يطول العمر.
لكن ... أن تغمض عينييك بعدها حتى ترى بعد الأفق أفقاً آخر، تصعد كافورة أخرى تنظر إليه حتى تأتى على آخره، فتغمض عينا مغمضة من قبل لتحجب أكثر، لترى أبعد، وتصعد كافورة أخرى، وهكذا، حتى يقف بك النظر إلى العمى، الحق ...
أن تفكر فى أن يكون لك أولاد وأنت بعد قد ولدت منذ سبع سنوات، أن تفكر فى أحفادك وأحفادهم ..و.. ليشغل كل واحد منهم أفقا حتى تغمض عينيك، فتموت، ويحيا حفيد آخر..
كانت تفعل ذلك، الغريب أن أحدا لم يرها تفعل، ربما رأى الوجوم بعدها.
تسير على تراب أحصته عددا، الغيب يثقل ظهرها، يثنيه، يجبره أن يركع حتى يضعه عنها نسيان صبح الطفولة.
الطفل لا يحلم، لأنه لا يذكر فى الصباح مادار، يخترعه بعدها، يؤلف، لكنه أبداً لا يقول ما يحلم به، هى، لم تكن لتقول شيئا،
أو لو كان نبياً قد أرسل برسالة ولم تحدد له السماء لمن..
لمن !!؟؟
شبح من بعيد يناديها هى هذه المرة، تنسى، يد تنسيها، ويد تنسخ ما تذكره، الثقل وحده ما يبقى، عند العمى، رأت نهاية، النداء هذه المرة منها، داخلها، يمزق أحشائها، ويبعثر منها أصفار الكيان، يريد أن يخرج فى مخاض عجيب، تارة يأتى فى سؤال :
أإذا مت، فلسوف أنسى ؟؟
....
أن تحيا وأنت تعلم أن الحياة ستمضى بدونك،
غداً ستشرق الشمس على أناس غيرك، غداً ستسير إلى الكافورة الحميمة أخرى، ليست أنت، أليست الحياة فى حاجة إلي لهذه الدرجة، فإذا مت، مضت بدونى ؟؟..
تذهل الفتاة، المخاض لا يعقبه فرج، أعقبه المرض، وليس للمرض غير الأولياء ..
...
شي الله يا أوليا
يعنى إيه.. ؟؟
دول بتوع كرامات وواصلين..
....





تدور أسباعاً حول كل وليّ، فلا يستوقفها إلا واحد، لم يشدّها المقام، ولا وصول صاحبه – لا نعلم لأين – شدّها أنه مثلها، أصابه النداء، كان يهتم، سأل نفسه، ربما لم يجب، ربما كانت أبيات الشعر على المقام وصفا لا إجابة، تقريراً لا تبريراً، قال الرجل :
إذا ما انقضت عنى من الدهر مدّتى
فإن عزاء الباكيــات قليــل
سيعرض عن ذكرى وتنسى مودّتى
ويحدث بعـدى للخـليل خليـل
... أهكذا ..!!
....
وقفت عنده طويلاً، الأم بالخارج، تردد ما تقوله النساء ولا تطوف، تقول بوصول هؤلاء، ولا تثق.
الوقت قد طال، وخادم الضريح يريد أن يغلقه ..
اختفت الفتاة، الأم لاتبكى، تدخل فى ثقة، تبحث، يناديها مرة أخرى، بعد مرور السنين، نداء ألفت رنّته أزمانا،
الغيب يصمّ آذان من يسمعه، صرير الأقلام على اللوح يغيّب الأذهان، ما كتب فى اليوم السابع يجبّ ما بعد ... ما قبل، كان الخلق.
...
ترفع الرداء الأخضر، كان صاحبه يرتديه قبل أن يغطى خادم الضريح الأول بها قبره، لتجد ملابس ابنتها مكوّمة تحته، تفقدتها.
كانت مطوية بعناية، شهقت حين رأت اللباس الداخلى..
حين يكتب أن الأسرار تذاع، يكتب قبلها أن الأبواب تفتح، الأقفال تسقط،
تنسفها الحقيقة نسفا..
خادم الضريح يدخل على شهقتها، لم يكن ليتكلم، تذكر أنه قد نسى باب الضريح مفتوحا، ظنّ الجميع قد خرجوا، أراد استبدال القنديل فى الداخل، نسى، أنسى .. تبعته الأم للجهة الأخرى من الضريح، فتحت المقبرة، أنفاس السنين الخالية، قطع معدنية ألقاها ناذر من شق الزجاج المكسور فى جانب الضريح، تدحرجت إلى القاع، السلم الحجرى، لم ينزل عليه منذ سنين سوى خادم الضريح، حتى خادم الضريح، استغرق الأمر معه أعوام حتى يخطو على الحجر النازل الأول،
الذكر والتراتيل، أصوات أشعار تتلى، أبيات تنشدها أرواح معلقة، لم يعد خلفه فى ثبات، يتلفت خلفه ليرى الخوف على جبينها عرقاً، فلا يجده، على قدميها ارتعاشة، فلا يجد..
يسير إلى أول دركة، يخطو، مازال ممسكا بالقنديل، الأصوات تعلو، التراتيل تشنّف الآذان، الأبيات تمسك بالقلوب بين بطنها وعجزها، عند الدركة السابقة، نفس الصرير يبدأ من جديد، تألفه أم البنات هذه المرة، يتردد خادم الضريح لأول مرة، عاد لمراته المتعثرة الأولى، تخطّته أم البنات..
يكاد يسمع من الخلف دقات قلبها، يضرب فى ظهرهما دقات الساعة، القيامة تحت أقدامها، النشور تحت أقدامهما، الرداء قد خلع، تبصر قبل أن يجعلها القنديل تفعل خيالا يطوف متطوّحا حول المقبرة، الأنفاس ساخنة.
الشهيق والزفير يخلقان جوا تملأه الرهبة، وتجوس خلاله المهابة.
- أشخاص غيرنا بالمكان ..
لم تكن لتخاف، لم يكن لها أن تفعل، أم البنات، تتحقق من الخيال..
شبح عارٍ تهتز منه الخلجات، تتلفّت فيه الذرّات، تتقّلب داخله الرغبات، يدور متطوحاً.
تهبط عند آخر دركة على أرض الحرم الزاخر، يسكن كل شئ، يفيق المتطوح، ينهار على الأرض المقدسة ولهاً وذوباناً، تصمت الأنفاس حولهم، أنفاس صعدت قبل أن تطلق فى الحياة، أنفاس بقيت لأصحابها حتى بعد قرون الممات، تتقدم ..
تعود إلى خادم الضريح المربوط، تنزع من يده المرتعشة القنديل، يظل هو واقفا عند دركته الأخيرة، إذا اخترق، احترق.
تخلع عباءتها، تضم إلى صدرها الجسد .. الجسد هنا لا يرسم صليباً، يكونه، يشكّله، الرداء الأسود يضم عرق الجسد الملقى نشوة، غائب هو، لا يدرى كم من الوقت مضى عليه يشهد كل هذا، أم البنات تحتضن ابنها الست.









صفر
أبداً لا تمت قبل الفجر، لا تفعل، الموت ليس بنهاية، سيكون إن فعلت.
الشروق يختلف باختلاف الضمائر، كما الأفعال، الغروب كذلك، الحياة قبلهم، زائدة عضوية تزيدك عضوية، تمكّن مكانتك، الرحيل، العودة للقرية تجب مرة أخرى، الثأر يصبح قريناً، الإرث لا يعود، ليست هى القرية، لا تعود كما كانت، لا يجب، حين يهتك الحاضر ستر ماضيه يجب أن يموتا معا، المستقبل وحده يصنع الأسرار بعدها، هو الجدير...
....
الحياة أمتع بغير التاء والنون، تحكم الأولى اثنى عشر عاما، تزيد أو تنقص، حتى تنزف، فإذا فعلت حكمتك الثانية.
التاء، نطفتان على قارب يسير فى سائل منوى، أو حامض أمينوسى، أيهما أقرب، القارب قد يصبح حاجزا للنقطتين، فيحجز الحلم والأمل، فلا ينطلق الأول، ولا يسايره الثانى.
الحاجز قد يصير شاربا تحجب شعيرات فحولته عبق النسيم عن فتحتى فم الضحية، الشارب قد يصير قوسا، يشدّه وتر الوهم، سهمان فى كنانته المحجوزة، يقتل بأحدهما النفى، ويقتل بالآخر الاستبعاد.
هذه هى التاء، اثنى عشر عاما، تزيد أو تنقص، النزيف فى دورته الشهرية يحدث خرقاً فى بكارة الروح، تتسرب منه إحدى نقطتى التاء، فتصير نونا.
والنون حوت يكتنز لحما وشهوة، تأكله وتبنى به قروش جامحة، النون لا يذهب هنا صاحبه مغاضبا، النون هنا قدر، تكبلك سطور لوحه، حتى تتمدد على خشبة باردة..
.. و ..
الحياة أمتع بدونهما ..
العودة رحيل ثان، رحيل عن حالة لا تدرى أتتلبسك أم تتلبسها، لا تدرى أتتمثلك أم تتمثلها، فى كليهما مفعول أنت، وعندها تدخل منطقة الرمادى، تدور فى فلكها، حتى تسقط وأنت لا شئ..
فعل الست ذلك، فى الوقت الذى كان عليه ألا يفعل، رحل ثانية إلى الرمادى، إلى حيث لا رحيل ثالث، تزوج بعد موت أم البنات بأقل من عام.
نعم ماتت، صار بموتها يسمع جيداً، طنّة الغيب لم تعد تؤرقه، صوت النداء لم يعد يفعل كذلك، الحياة أمتع بلا شئ، قالها لنفسه وقام لأقرب دار فى القرية الجديدة وطلب فرج أنثاها.
راحة غبية يحسّها الآن،
....
حين تموت أنصاف الآلهة، يزوى الربع الإلهى فى أنصاف أصفار البشر، حين تغيب خلف المطلق، يظهر محلها كل نسبى عطن.
....
فحل علوف، يسرح فى الحقول حتى الغروب، يجامع حتى الشروق، تزوى بضاضة الفرج، ينضب معين افرازه، تموت الأنثى بعد أيام، يأتى بغيره، الاسم يستثير منه القضيب، يؤججّه، ويؤججّ ماعونه،
....
أن تعانى من عقدة الإخصاء وأنت كامل الرجولة، ترى ماذا ستكون عليه، حيوان تجأر عند اكتمال القمر، تخرج إلى صعداء من وهمك، تصرخ عند كافورة قديمة تبعد كثيراً عن بيتك اللبنى، حين ترتاح تنادى، حين تصبح حيواناً، تنادى، لكنك أبداً لن تكون محلاً لنداء بعد اليوم.




....
- محمود..
....
- محمود..
. نعم..
- إيه ده ؟؟؟
. دى كانت منامة أبويا الله يرحمه..
....
- محمود..
. نعم يا قمر..
- أبوك كان قصير وعريض عند الكتف واقرب الشبه بفتحى أخوك.. ؟؟
. الله وأكبر، ايش عرفك يا ست ؟؟
....
. ده ميّت قبل صباحيتك دى بثلاثة وعشرين سنة، وما حدش حكالك عنه..؟؟
....
بقايا الأجداد لا تصنع حفيداً جيداً، ثمالات هؤلاء، لاتروى هؤلاء، تظهر فى لاوعيه المطمور، زلاّت قلمه، إذا تعلم، ولسانه إذا لم..، تصارع لتجعل ردود أفعاله أفعالاً، استجاباته مبادرات، لاتنجح، تخلق، تبعث، تنشر، تحاسب، يكفر الجهل بها، يؤثر عليها..
يولد محمد، الست تستعبده غدواته، تمتصه، تلفظه رواحاته.
يولد محمد، لن تستطع تبين سطور لوحه وإن حرصت، شاحبة هى السطور،
....
الشحوب يئد التاريخ، المستقبل، يجعلك تعيش فى صيرورة مفرغة، عدمية، لم يبق فى الصدر إلا الأصداء، أصداء نداءات ولّت، ومنادٍ رحل، أصداء تقضّ ارتياحات ذلك القالب.
....
يدركه يوما أحدهم فى مغارته الجبلية، الصخور كاتمة للأصوات فلا تخرج منها ولا تدخل فيها.
....
- ما درتش يا محمد..؟؟
. إيه يآبا عبد..!!
- السلطة بتلم الرجالة..
. وماله، ما يضرش، جاتك لهو خفى يا شيخ..
- هالبت مانت ناوى تروح اسم الله كده ؟؟
. يعنى آنى كنت جاعد أعمل إيه يعنى، ولا باعمل إيه يعنى، ولا كت يعنى باعمل إيه، برضه يعنى
- خلاص، بس خلّى أخوك عبد المعطى يفكّ منهم لأن جوازته بكره،
. حاضر يآبا عبد الله،
....
....
الأرض يقلصّها السكان، يبتلعونها، الزمام يزوى، تلعق الأيام حواشيه الكافورية القديمة،
الخروج عودة ثانية، اللبن أضرّ بالأجساد، الخباء أوصل بما حوله، السخرة تقتل ذلك كله، ولكنها تجلو الصدأ عن معدنه، يعود كما كان.
شحوب سطور الألواح لا يجعله يلمع لأحد سوى صاحبه، خمس سنوات يعود فيها، ويعود بعدها، وقد صار شخصاً جديداً
....
الأشقياء لا يدخلون النار، يعيشونها على الأرض، وحين يتوبون، يموتون، فتتلقفهم الأعراف الأبدية.
داخل أمعاء جبل ينهب حواشيه العمران، أنعق وحدى، غراباً على كتف فزّاعة، تحوّطه فراديس الحقول الأعرافية، البعض من حولى يحطّ عن يمينى، البعض عن شمالى،
وحدى أشهد،
وحدى أخلّد هكذا،
....
أعلّق ملابسى كاملة على فزّاعتى الجبلية، ومن غرابة القمة ووحشتها، أتدحرج حتى وطنى، ووطن ذريتى من بعدى، أتدحرج عارياً، تنغزنى نتواءته عند القمة، أسافين الغربة تؤلم حقاً، تغازلنى نفسها كلما اقتربت..
كلما اقتربت، انتشيت، يغلى الجسد، أصل إلى ذروتى، عند السفوح أقذف المنيّ بذورا، السفح جرثومتى الأبدية، لن يغادره أحد منهم حتى آخر آدم على وجه الأرض، لن يغادره أحد منهم، لم أقذف المنيّ من قضيبى، انتزعته من صلب ظهرى، ومن أصلاب أصفارى الأولين.
شطبت سطورا كاملة فى ألواح كتبت بعد اليوم السابع، شطبت ألواحاً كاملة لتلاءمهم جرثومتى، واستويت وحدى عارياً على كرسي وسعته القمم والسفوح.
أغادير باردة تنساب من تحتى، آتية من فوق، تحنّ هى الأخرى إلى موطنى، أحبها لذلك، جلست وحدى، سطرت وحدى، وشطبت وحدى، نصف الإله، أو نائبه.
غدا سيشقون عبادة، غداً، سيصومون جوعاً، ويصلّون رقصاً، ويزكّون لعنات، ويحجّون إلى غربة القمم الموحشة، ويوم يلفظهم الوطن، تلفظهم اللعنة إلى الأبد،
....
الشهيق طهارة، طهارة الروح التى سمّى لها هذا الشهيق، والتى كتب لها أن تشهق.
ويوم يموت الإنسان ينتهى مخزونه من الشهقات، وعندما يلج الجسد الإنسانى يتلوث، يتدرن، يأسن، ليخرج بعدها زفيرا يحمل رائحة الجوف.
لم يكن لها أن تولد من الزفير، أطهر من ذلك هى.
الشهيق كان نطفتها، ثم علقتها، ثم مضغتها، ثم عظامها، ثم كسيت العظام لحما، ثم أنشأتها الشهقات خلقا آخر.
من شهقات محمد، ولدت ريّا.
ثلاثون عاما، تراكم الشهقات ذراتها،، تكوّن نسماتها.
ومما كتب لها من شهقات.
كتب لها من حياوات.
....
" وقال الرب ليس يكون آدم وحده فأصنع له معينا نظيره، فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام .. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً ، وبنى الضلع التى أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم، فقال آدم هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى، هذه تدعى امرأة لأنه من امرئ أخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً "
"العهد القديم"
....
...

" إن الله خلق آدم ذا وجهين، رجلاً من ناحية وامرأةً من ناحية أخرى، ثم قطعه من النصف وإن طوله كان يصل إلى القبة الزرقاء، ولكن بعد خطيئته وضع الله يده على رأس آدم وكبسه حتى صار صغيراً، وأن آدم أتى الخطيئة فى الساعة العاشرة بعد خلقه، ثم طرد من الجنة فى الساعة الثانية عشرة"
"التلمود"
...........
...........
.. يتعملق ساكن الأمعاء، يتمدد داخل كهفه الأبدى، الرأس تخرج، تتسامى إلى القمة، اليدان تتمددان، تتهدّلان على جانبى السفح، الوطن، تشكلان طريقاً هابطاً من وإلى نصف الجبل الخالد، بلغ الثلاثين عاما، وبلغ ثلاثين ألف قدم، الريح تفتت ذرّات صخور الجبال، الرياح تفعل ما هو أقل من ذلك، النسيم تكفيه مداعبة عنينة، الريّا تفعل ما هو أقوى من ذلك كله..
....
ريّا، الوجه الآخر لآدم، ريّا يد الإله التى تقطع آدم من النصف، لتكون نصفه، أو تكونه نصفاً..
ريّا – يد الإله التى توضع على رأس آدم بعد خطيئة الساعة العاشرة، وتكبسه حتى يصير صغيرا..
ريّا، يد الإله التى تطرد آدم من الجنة فى الساعة الثانية عشرة..
ريّا، إله آدم الأرضى ..
ريّا، ذلك الإله العلمانى الخالد ..
....











صفر
حين يشتاق النهر إلى مصب، تكون النهاية، حين يملّ جنباته وينساح حرية وأملا، لا تكون أبداً 00
عندما يرث الأحفاد بعض ما حواه الأجداد يشقون 00 فلا هم مثلهم 00 ولن يكونون 00 أما عندما يتطابقون يكون الشقاء راحة وأملا 00 ويظل العذاب شقاء لهم للأبد 00
ريّا تطابقت وأم البنات 00 لم تكن من سلسال محمد الست الصفرى 00 وإن جرت جراثيمه منها مجرى الدم 00 جيناته السائد منها والمتنحّى معا 00
آخر سلالة الأسماء 00 وآخر سلالة الأقدار 00 آخر من أصابه النداء 00 لتلد منه نسلا بلا اسم 00 بلا قدر 00 ورقة فى مهب ريح سواء كانت بيضاء أو متسخة فستلطمها الريح 00 وتظل فى هاويات متجددة 00 ربما تسمع فى أحلامها أصوات نداءات غامضة من بعيد 00 بعيد 00 ربما رأت حين تغمض عينيها آفاق تشهد جماع الأرض بالسماء 00 حيث تولد نبؤات المستقبل الرمادى 00 ربما 00 وربما لا 00 ربما لا 00
....

شيخوخة مبكرة، النجاح أكذوبة الأحفاد الكبرى.
حين يعطى المعمارى أكبر جائزة فى الطب، هل يكون نجاحاً، حين يكتب لك الناس ما تنجح فيه، حين يحدث ذلك، الأسلم أن تكون ماكتبه الناس، لا تمحو سطراً منه، لتعيش باهتاً مرتاحاً، وعند الموت، تكتشف أنك لم تعش أبداً.
...
أيقظه كتف أحد المارة فى الطريق إلى عمله، يذهب كل يوم، لاعطلة تمنعه، أو عذر يحبسه، فقط يذهب.
وفى العمل يثنى عليه كثيرون، ينتقده مثلهم، ربما كانوا نفس السابقين، وربما لم يعنوا الأولى، أو الثانية، الأهم أنه يتعرض للشيئين معا بلا معنى.
نفس الإحساس القديم..
أنت أعلم من معلمتك فى سنة أولى..
أنت أكثر ثقافة من معلميك بعدها..
أكثر حرية فى تفكيرك من أساتذتك فى الجامعة..
أفضل من رؤسائك عبر كل عمل عملت فيه..
الأمر يبدأ بلا أساس، الأسس تتضح فيما بعد..
استعارة المسجون لسلوكيات سجّانه تجد انعكاسا لها هنا، توقن أنك إذا كتب لك الاستمرار ستكون هم.
....
العقدة ليست وسطا بين البداية والنهاية، فإما أن تكون نهاية للأولى، أو بداية للثانية، لكنهما معا لا يكوّنا الثالثة.
....
.. حين يتعثر الوليّ فى الطريق يستغفر معشوقه .. معى، العثرات بلا وليّ، بلا معشوق، وبلا شئ، فقط تقع، تنكفئ الأرض على وجهك، وقبل أن تبحث عن يد تقيلك، تبحث عن إجابة،
...
اللحظات تمر، تترى، بلا حركة، الثبات الصفرى حتمية أرثها، ممن؟؟ لا أدرى..
نسبية بلا أحد شقيها، فقط الزمن. تصبح أنت أنت، مضافاً إليك الزمن، موظفاً منذ عام، موظفاً منذ عامين، موظفاً منذ ثلاثة أعوام، الأمر هنا لا يعنى الخبرة أو السن أو المكانة، الأمر هنا يعنى : !!!
لم يكن ليعلم ماذا يعنى الأمر كله ،
...

أن توضع بين هلالين متقابلين، هذا لا يجعلك متميزاً، استثناء من قاعدة يمكن التوسع فيه، لا يجعلك شيئاً، يشلّك تماماً، يلغى وجودك، حتى اذا أُمحيت أنت وأقواسك، فستستمر الجملة وينساب السياق.
....
حين تتشابه الأقدار، تتطابق أسئلة الأحفاد .. كان يشغل نفسه كثيرا، ترى ماذا يحدث لو لم يأت إلى العمل مرة، ماذا يحدث لو تغيّب يوماً، فعلها، تغيّب ذات يوم، جلس أمام الهاتف طوال ساعات العمل، ينتظر، فقط يفعل، ينتظر أن يستنجدوا به فى العمل : تعالى، نحن لا نستطيع أن نعمل بدونك..
......... لم يرنّ الهاتف ذاك اليوم، دخل غرفته، خلع ملابس العمل بعد يوم طويل شاق، عاود الكرة بعدها بيومين، لم يحدث شئ، عندها عاد إلى شحوب الروتين اليومى يقابله بوجه باهت، غير أنه فى كل صباح ولسنوات عدة كان يتفحّص الصحف، بحثاً عن عمل جديد،
ذرات الرمال البحرية تتجمع من جديد 00 قصور الرمال تبعث من أكواخ الحقيقة 00 قدرات الحلم الكامنة 00 واستعدادات الجنون البادية تخط ملامح مجاهيلها الجبرية 00 معادلات لانهائية 00 سينات مستحيلة 00 وصادات لم توجد من الأصل 00 اكسات عبثية و وايات تزروها ريح الماضى الكسيح 00 ويعود 00 يعود العدم من جديد 00 لا كنقيض للوجود وإنما كمكمل مواز له 00 وأعود 00 كما كنت وكما أكون وكما سأفعل 00 غواص المياه الضحلة 00 أتسلق حشيش الأديم 00 أصعد دركات السراديب 00 أفاخر بعاهاتى كأكتع يصرّ على أن يعرّى موضع بتر يده 00 أستجدى سحاتيت الإعتراف 00 وعملات التقدير المثقوبة 00 المخروقة 00
مجرد أن أحلم أن أكون عاديا يعنى أننى ما زلت أظن فى داخلى أننى لست عاديا 00 تلك معضلتى 00 سؤال معجز بلا إجابة أوديبية 00
أن تبحث عن حل إقتصادى 00 فذلك أمر عادى 00 ولكن أن تبحث عن إستحالة إقتصادية 00 فذلك أمر عادى أيضا 00 لأنك (غير )عادى والإستحالة الإقتصادية (غير)عادية أيضا 00 وبمعادلة جبرية تحذف غيرية الحدين لتصير عاديا فى إستحالة 00
الأمر ليس معقدا كما يبدو 00
نفقة الفرصة الضائعة 00 هى الحل الإقتصادى 00 إلغاؤها هو الإستحالة الإقتصادية وبينهما أنت 00
فعندما إخترت (أ) فأنت قد خسرت (ب)00 ولكن أن تجد حلا لإستحالة 00 آلة للزمن مثلا تعود بها من (أ) إلى (ب) لترى ماذا خسرت وكم وكيف ومتى ولماذا ومن و 00 ؟ وتعبر كونك استفهاميا هكذا إلى كونك إبداعيا فتصل إلى ماذا لو ؟؟؟ 00 النهاية أنك لن تعيش الإختيار (أ) بصورة كاملة 00 ولن تعوض آلة الزمن خسارتك للإختيار (ب) 00
الإكتشاف العدمى هو أنك لم تكسب (أ) من الأساس حتى تكون قد خسرت (ب) ولا عليك من أسئلة لا إجابة لها 00 أو هكذا تبدو 00 ولأن البعيد حمار لا يقبل أسئلة بلا إجابة 00 ولا يقبل حياة بلا أسئلة 00 فسوف يظل يسأل ويبحث 00 ويخسر كل الفرص التى أمامه على إعتبار أنها فرص ضائعة عليه أن يتحمل نفقتها 00
كذلك المشهد المسرحى الساخر الذى يقوم البطل فيه بدفع فاتورة الهاتف خوفا من إلغاء الخط وسحب الجهاز 00 رغم تأكده 00 وتأكد الآخرين من أنه لا يملك هاتفا من الأصل 00 إنه القهر 00 ميراث صفرى 00 من جينات تمادت فى صفريتها حتى تلاشت 00 تهاومت كروموسوماتها حتى غامت صفحتها 00 ما أقسى أن يقهرك الآخرون 00 ما أفظع 0 هو أن تقهر ذاتك 0
.. الآن أستطيع أن أتفرّس وجهه بدقة، يجلس الآن أمامى مباشرة، أحاول أن أتبّين ملامحه العادية، تقتحمه العين، تعبير شائع، لا أفهمه، أستخدمه، أحاول اقتحامه، ولكن، من أى المداخل يمكن ذلك.. ؟؟
....
العنف مدخل مناسب، فأتعرّف على أثر لجرح قديم فى يمين الجبهة العريضة الصلعاء، حتى لتمتد لبداية الربع الثانى من الرأس الكبير. فأعرف شقاوات الصبا، وعنفوان الشباب الهائج، كموج متلاطم، لا شئ يحمله، ولا شاطئ ينحره،
...
الشبق مدخل أكثر مناسبة، غير العنف والجروح وآثارها البادية والخفية .. هذه الشفاة التى لم تخلق لغير التقبيل، القضم، المصّ .. ذلك اللسان الشقي اللاعق، كم أزرى بطود كبرياء كثيرات..
....
لم يرد مدخل بشّار بن برد :
يا قوم أذنى لبعض الحيّ عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
....
أذناه كبيرتان بشكل واضح، كما أن بشاراً كان أعمى، فربما اختار حاسة لقصور أخرى، إلا أن الأخرى عند ذلك لاتنفع أيضاً، العوينات الطبية تظهر من تلك العينين ما ينفى أى مدخل، ويغلق كل باب..
....
أراد مدخلاً روحياً، كان هناك، يتوسط صحراء الجبهة، أثر السجود، يذهب ويجئ على رمالها البنّية الفاتحة، يذهب فى فترات العصيان، ويأتى فى فترات عدم الطاعة، حينما كان يسجد، كان يقول فى كل ركعة : "رب هب لى علماً لا ينبغى لأحد من بعدى"، ولم يفعل، استمر على ذلك سنوات، ثم انقطع عن الإثنين، ثم عاد للصلاة فقط.
فى انتكاسات الزمان، ظلّت تضئ كفنار فى بحر الجبهة والذنوب، لكنها الآن راسخة، كجبل ثلجى مقلوب، يبدو منه تسعة أعشار حجم الطاعة، ويختفى العشر الأخير فى وراء حسنات لم يكن له يد فى اكتسابها.
....
تململت فى جلستى أتطلع لهذا الوجه، شعرت أنى أرى عظام وجهه، وخارطة شرايين وجنتيه..
...
الشعر الخشن يوحى بصفة سائدة، من آدمه، حتى آدم، لا ليس هذا له بمدخل، قالها لنفسه، أحسّ أنه سمعها ورددّها..
....
بحث عن آخر، اقترب أكثر، اصطدم بشئ، انثنت أنف الذى هو أمامه، أحس بالألم هو، فى أنفه، عاد لموضعه.
اقترب بحذر هذه المرة، الحاجبان أشعثان، لا أدرى دليل ماذا، وإن كانا بالتأكيد شيئاً ليس بإيجابى، أو حتى فى صالحه، فلم يكونا جيدا التكوين، أو الاتساق فوق العين الغائرة، وعظام الجمجمة البارزة، مع الجبهة العريضة المنزلقة، والرموش الطويلة غير المفيد طولها، فلم يضف شيئاً، وإن أخفى جزء من العينين، فأزاد الطين بلّة وأزاد الخل خلّة، (ماذا تعنى خلّة ؟؟)..
تفاحة آدم الصبا الرفيع ذهبت معه، واختفت خلف لغد غطّاه شعر ذقن خشن غير محلوق دائما ً..
....
ربما كان المدخل الذكرى مناسبا بعد كل هؤلاء، ذلك الشارب الكثّ، لم يكن فى البداية كذلك، رغم أنه لم يحلقه ولو لمرة واحدة، منذ أن عرف الشعر والشهوة طريق جسده الساخن،
كانت قبلات السلالم المظلمة تخفف من شعيرات صباه الهشة..
كما كانت شفته العليا تأتى بنهايات شعيرات الشارب إلى أسنانه الصغيرة، ليشدّ بعضها ، ثم يبصق بعدها، أو ليشذّب الأطراف بدون حاجة إلى مقص يلفت الأنظار لوجود اختلال من الأصل.
....
إلا أن الأنف كان المقنع الوحيد فى هذا الوجه، فأنت تقتنع من هيئة محدّثك فى بعض الأحيان، وهذا كان فى غاية الهيبة والضخامة والبروز والفلطحة، تزيّن جانبيه مستريكات سيارته العويناتية.
....
فقد كانت مخدات النظارة الطبية كسيارة ليس فيها سوى كشّافين وعمودى كردان على الجانبين، أحرق الحر بهما خطاً يقطع السوالف المشعّثة، ليصبح الأنف كبّوتاً رائعا على ذلك الوجه فى اجماله.
بدأ يفتر اهتمامه بالذى أمامه، هبّ من مجلسه وأضاء الأنوار كلها، وعاد للمرآة، ينظر من جديد وباستنكار بالغ ،
الأصفار تنكر بعضها البعض حتى إذا تقابلت فى المرآة 00 أما حين قابلت فى طريقى رجلا يضع سمّاعات على أذنيه 00 مستمتعا بأغنيته المفضلة 00 فقد تصورت أنى لم أقابل صفرا كالذى راقبته منذ قليل 00
كان قد انتشى 00 قد تخلى 00 تحلى 00 ترقى 00 سما حتى عن ذاته 00 أستطيع أن أرى قدميه ترتفعان عن الأرض 00 يديه وقد تحولتا إلى جناحين من نور ذاتى رائع الإشعاع 00 وحين تنتهى الأغنية 00 حين تنتهى أجده وقد عاد بشرا من جديد 00 هبط 00 أزرى به الدهر بعدها 00 أجده وقد خلع سمّاعتيه وفتح عينيه على واقعه 00 ليجد من حوله ينظرون إليه بإزدراء 00 بدهشة 00 بخوف 00 بشفقة 00 بحسد 00 نعم حسد 00 تماما كما يحسد البعض عبيط القرية حين يسبّ عمدتها 00 يتمنون أن يكونوا مثله فيسبّونه 00 ولكن لا يتمنى أحد منهم أن يصير عبيطا 00
حتى الآن لا أرى عجبا 00 العجب يأتى تباعا 00 أجد هذا البشر المتحول 00 أو الملاك الممسوخ وقد احمّر وجهه خجلا 00 وضاعت الحروف بين جفاف حلقه وشفتيه 00 وحين يتمالك ذاته البشرية الهابطة 00 يبدأ بلا داعى فى انتحال الأعذار 00 يشرح كيف أنه أخطأ حين غنّى بصوت عال 00 أو لماذا فعل ذلك 00 أو أن الأغنية كانت لاتقاوم 00 أو يدعوهم ليسمعوها ليحكموا بأنفسهم 00 بلا داعى 00 وبلا فائدة 00
كم كان جميلا فاتنا حين كان يرقص على أنغامه الخاصة 00 وكم صار مسخا خاسئا حين حاول أن يرقص على أنغام الآخرين 00
حين تستقبل إعجاب الآخرين فأنت على استعداد أن تقبل إزدراءهم 00 فمن يسمح لأحد أن يمدح 00 يسمح له بالتبعية أن يقدح 00 لا أظن أن الإنسان ككائن إجتماعى يعيش فى جماعة 00 لا أظن أن عليه أن يبرر ذاته للآخرين 00 وليس له أن يكون مبهما 00 ويصل الأمر إلى نقطة وسط 00 وهى أن يكون مفهوما لكى يكون مقبولا 00 أما حين يريد أن يمسك بالكرات جميعها فى يد واحدة 00 فستقع كلها على الأرض 00 ليضيع بعدها الفهم والقبول معا 00 ويبقى هو 00 يبقى هو بدونهما وبدون نغم خاص به 00 يداه وقد تشنجتا 00 قدماه وقد تصلبتا 00000 أحدهم أوقف الموسيقى 0
البعض يرقص على أنغام حكومية 00 مذياع جمهورى عام بمارشاته العسكرية وأغانيه الوطنية المقيتة 00 ومع الرشوة الإجتماعية ممثلة فى راتب الحكومة ومزاياها المتخيلة 00 يأتى الخدر 00 والتبلد 00 لتتحرك اليدان والقدمان بميكانيكية باردة 00 وينتهى الأمر بكرش مترهل 00 ورأس أصلع أجوف 00 وليال خميسية فاشلة كجميع أيام أسبوع الموظف 00 إلى معاش تافه 00 أو مكافأة نقدية 00 يعيد بها دهان بيته 00 ويدخن لبضعة أشهر سجائر أجنبية 00 ويشترى بها ذهبا لزوجته – سيبيعه خلال عام – ليعود بعدها بلا أنغام حكومية 00 ليبحث عن نغم خاص 00 ليس خاصا به 00 بل خاص بالآخرين 00
وهنا يختلف اللحن كثيرا 00 وفى الأغلب يكون لحنا عائليا 00 فتجد الأب هو المايسترو 00 أو هكذا يبدو أمام الآخرين 00 والأم هى مديرة الجوقة 00 والإبن على البيانو 00 والإبنة على الهارب 00 وتبقى الآلات الإيقاعية للمقربين 00 وحين يحاول فاشلا أن يرقص على هذه الأنغام التى تنطلق فى وقت واحد 00 فهو كمن يمشى على أكثر من حبل فى الهواء 00 فما يكاد يتمالك توازنه على أحدهم 00 حتى يسحب من تحت قدميه 00 ليجد نفسه فوق حبل آخر وعليه أن يعيد 00 وأن يعود إلى نقطة التوازن المستحيلة 00 وبقليل من المؤامرات والتحالفات الربع تونية 00 وليست النص كمّية 00 يجد نفسه من جديد وقد تخدّر 00 وقد تبلّد 00 ليموت فى جنازة قطاع خاص تتمثل فى مظروف لزوجة المرحوم فيه آخر مرتب فقط 00 إضافة إلى هبة من صاحب العمل لا تكفى لقوت يوم واحد بعد موت الراقص الفقيد 00
البعض يبحث عن الريادة 00 فيشق طريقه خارج العام والخاص معا 00 ولكنه أيضا يجد نفسه إما أنه لا يجيد العزف 00 فتنهار أحلامه من نشاز أوتاره 00 أو أن يجد نفسه قائدا لفرقة من المخدّرين المتبلّدين 00 ونظرا للعلاقة الإرتباطية لا يجد فارقا يذكر فى أن يكون قائدا مخدّرا متبلّدا 00 أو تابعا مخدّرا متبلّدا 00 تستوى الأشياء 00 وحين تستوى الأشياء تتساوى الرؤوس 00 ويحدث هذ حين ينجح 00 نعم حين ينجح 00 أما حين يفشل فإنه يعود من جديد فى مرحلة أساسية بدائية 00 البحث عن نغم ذاتى 00 ويظل أمل البحث هو الدافع والإيقاع وليس الوصول 00
ولكن ماذا لو أعطيت الفرصة لكل عازف فى الجوقة أن يعزف لحنا عن الحرية 00 على سبيل المثال 00 هل ستكون كارثة !!؟؟
ماذا لو وضعت لحنا مفترضا وأعطيته لعشرة راقصين 00 وعلى كل منهم أن يبتكر رقصة على هذ اللحن 00 ثم جمّعتهم معا على مسرح واحد 00 وبدأ اللحن 00 هل ستكون كارثة !!؟؟
لماذا تكون الطبيعة دائما هى المثال 00 حين تهمّ بالدخول إلى غابة ما 00 أو إلى أدغال أو حديقة ما 00 تسمع لحنا واحدا 00 طيور 00 قرود 00 زواحف وحيوانات شتى 00 حفيف أشجار 00 وصفير هواء فى جذع أجوف 00 المحصلة 00 لحن واحد 00 لا أعتقد أن الحرية وحدها تكفى للوصول إليه 00 إنها الديمقراطية 00 تلك الحرية المسئولة 00 ليست ديمقراطية سيطرة الأغلبية الباهتة 00 ولكنها ديمقراطية عدم هيمنة الأقلية المتميزة مالا 00 حين تستدير المائدة وتتساوى مقاعد الجلوس 00 ولا يعلو صوت على صوت 00 تجد هذا اللحن الواحد 00 لحن ذاتى فى إطار جمعى جماعى 00 أو لحن جماعى بهامش ذاتى 00
فماذا على أحد العازفين إذا اندمج قليلا 00 موّسعا هامش ذاتيته داخل الجماعة الموسيقية 00 ماذا على الجماعة إذا أعادته إليها ببعض الآلات النحاسية الزاجرة 00 ماذا لو استكان مهدّئا أنين أوتاره 00 تاركا هامش هامشه لغيره 00 وهكذا 00




حين تتجاوز الأربعين، تتجاوز البدايات، أو تتجاوزك هى بالأساس، فتكمل أنت ما قد بدء لك، أو بدأ بك، أو ما شاء الآخرون أن تكمله، أما حين تنتهى منها فستجد أمامك النهاية وحدها.
...
عشرون عاما فى الوظيفة نفسها، ربما تطور المقعد الذى يجلس عليه، فأصبح له بعد السنوات الخمس الأولى مسنداً للظهر..
وبعد الثانية كسوة..
وفى الثالثة زينّه التنجيد الليفى الأشعث..
فى المكتب المقابل يجلس الأستاذ أجمل، لا يدرى أجمل ممن ؟؟
خمسة وأربعون عاما فى الهيئة.
لا يفعل شيئا إلا أن يأخذ قصاصات الصحف ليلصقها على ورق دشت، ويضعها فى ملف أغبر.
قص الصحف لا يدخل فى عمله، هو اختصاص الآنسة ثم المدام مانيّم، المكتب الذى عن يمينى.
المهمة الكبرى فى هذا المكان، كانت من نصيب الأستاذ أمرو المشرف على أجمل ومانيّم،
عمل شاق، معقد ومركب، حتى أنه لم يتصور نفسه ترساً فى هذه الماكينة الإدارية، يتمدد عليه، وتنغرس أسنانه فى سلسلة ظهره الشاب عند التعيين.
.. ظل يراقب استعراض هذه لمهارة القص، عشر سنوات تقص، فقط تفعل، الآخر، خمسة وأربعون عاما يلصق، الأخير يشرف،
....
الهبوط سمو من نوع خاص، عندما تكون الأرض هى المركز والمنبت .. يكون الهبوط ارتفاعاً، أما حين يكشف العلم عكس ذلك فستكون الصدمة، لا للإفاقة وإنما للموت
...
سبع درجات من السلالم الرخامية القديمة، نالت ذرات وسط دركاتها من كعوب عدة، أو ربما نالت الكعوب منها، ففنيت فيها وأفنتها، دركات معمارية تفصل بين عالمين، سبع درجات، فقط سبع، تنفصل بعدها عن الدنيا فى الخارج، وعن الهيئة نفسها، لتجد غابة من الأرفف، تحمل أفناناً من الملفات، تحمل بدورها أوراقاً عليها أسماء..
... انتى ختى فرشة الصمغ بتاعتى؟
...
....
.. لأ ماختهاش.
....
الكلمات تتلقفها الكلمات، درجة جدوى الشفاهة ترتبط طردياً بالكتابة، تفاهة الحوار تمحو سطور المعرفة فى السجلات، حتى إذا صحوت يوماً وجدت السطور قد امّحت، حتى الصحف اليومية، تطالعها بيضاء من غير سوء، من غير معرفة، لوحات المرور الاسترشادية تشير إلى جهات قد امّحى اسمها تماما على اللوحة، الناس تتبعها، لا لتأثير من سلوك جمعى، أو عادة، وإنما لأن الكلمات أيضا قد امّحت من رؤوس هؤلاء..
....
....
انتى ختى فرشة الصمغ بتاعتى..؟
...
.. لأ ماختهاش.
...
العبقرية، أن يراك الناس كذلك، لاتكون بالفعل، أما حين يجتمع الاثنان، فاعلم أنك أحد عسكر العالم الثالث.
.. إن شاء الله يا أستاذ تبدأ مع الآنسة مانيّم، هه، لمدة سنة، هه – هوه أنا قلتها قبل كده ولا لأ ! – طيب، لغاية ما تتعلم شغلها كويس، لأنها، ماشى – ماهو اتنين هه وواحدة ماشى - عقبالك حتخش زى السنة دى..
...
.. يا آنسة مانيّم، ماوصكيش، عايز الأستاذ يشرب شغلنا كويس.
.. المسألة مش سهلة يا أستاذ أمرو، سنة واحدة مش كفاية، لكن، لكن، ححاول، والرك ع استعداد الأستاذ، ولا إيه يا أستاذ؟
...
أن تنزع كائناً من كائن فأنت مبدع، تحاكى المبدع الأعظم، كذلك حين تقصّ إحدى المقالات الباهتة، أو الكلمات السوداء من إحدى الصحف، فأنت تخلق خلقاً آخر..
فبدلا من وجود وحدة واحدة، وهى الصفحة المختارة من الجريدة، والتى تأخذ ساعات من المشرف حتى يقع عليها الاختيار، سيصبح لديك وحدتان؛
واحدة مخرومة، والأخرى كانت خرما للأولى، تشكل لها الرتق، والفتق فى الوقت نفسه، أما الفقع، فهذا شئ آخر..
....
القص ليس سهلا كما يمكن أن يتصوره الإنسان العادى، العارى من الموهبة، فهو كما تشير اللغة، تتبع للآثار، فأنت بالمقص تتتبع آثار الحدود المراد قصّها،
وكما أن القصّ تنقية وتخلية، وصولاً إلى التحلية الصوفية المنشودة، حيث تفقد الصفحة أهميتها بمجرد القصّ، فيخرج الحيّ من الميت..
القص نوع من الحكى المرغوب، يرسم فيه المقص صورة من الوضوح المعمارى للمضمون، الذى يظل مجهولاً بحيث يحدّ النظر، ويركّز الرؤية، فلا يزيغ البصر، ولايكذب الفؤاد أبداً..
القصّ هو ذلك المكتشف البصير، الذى يضع يده على مواضع التميز، ومواقع التفرد، فينقلها من النكرة إلى المعرفة، التعريف هنا لايكون إلا بأداة، المقص، حيث يشكّل سلاحاه الألف واللام الخاصّين بالتعريف.
التعريف علاقة حميمية، ليست بين القصاصة والمنتفع بها، وإنما بين المقص وصاحبه، فيوضع دستور غير مكتوب بينهما، وعادات مرعية، تواتر استعمالها حتى صارت عرفاً، لتجعل العلاقة أكثر عمقاً وسطحية فى ذات الوقت، بحيث لايعمل أحدهما دون الآخر، فإذا غاب الأول لصدأ أو لبرود فى سلاحه، أو لضياع مفتاح الدرج الخاص به، لا يعمل الثانى .. وإذا غاب الثانى لا أحد يستعمل الأول ليكمل العمل، وتستمر ماكينة الإنتاج فى الدوران.
فمن يفرّط فى مقصه يفرّط فى أعز شئ لديه !!!
حين يكون طرف المعادلة، ذات المجهولات الخفية
1
------------------------- 70000000
فإن طرف المعادلة الآخر يجب أن يساوى الشئ نفسه، وإلا فإن العلامة = سوف تفقد معناها.
....
الأغرب من ذلك أنك تبدى غباءً شديداً عند التعلم، فمن يعلمك يعلم أن عاماً كاملاً لايكفى لأن تلتقط فيه مبادئ القصّ، وشيئاً فشيئا تعلم ذلك أنت أيضاً.
....
....
وعندما تثبت فشلك الذريع بعد عام، بشهادة الآنسة مانيّم، وبدلالة كلمات تقريرها المكتوب والمرفوع إلى الأستاذ أمرو، ومنه إلى رئيس الهيئة، عندها، يصدر القرار العدمى من الرئاسة بأنك الآن، والآن فقط، يمكن أن تنتقل إلى المرحلة القادمة .. اللصق.
....
معجزة هذا الزمان أن تصبح رجلاً عادياً، يعمل فى هيئة، يركب فى هيئة، يمشى فى هيئة، حاملاً فوق رأسه الجريدة اتقاءً للشمس، وتحت إبطه البطيخة اتقاءً لزوجته، واضعاً حول ياقة قميصه منديلاً اتقاء للصفع.
سأظل ذلك المازوخى الذى يضع ملكاته وقدراته وإستعداداته تحت إمرة معدوميها 00 ذلك العبد الذى يرقص على دقات طبول تجار الرقيق 00 ويدق بقدميه الحافيتين سطح الأميستاد 00سأظل ذلك الديوث الذى يترك عذراء أحلامه بين فخذى رجال بلا أحلام 00 سأظل القائم وحده فى نفق معوّج 00 سأظل الباقى وحده على سطح سفين يغرق 00 سأظل أهدى الثمار لمن يقذفنى بالأحجار 00 المتحدث وحده بين الصم 00 سأظل كما أنا 00 وليبقى العالم كيف يشاء 00 لم أخسر بعد كل شئ بقيت لى نفسى 00 وبقى الأمل آخر الأموات 00
اللصق، الترقية، توفيق بين ورقتين فى البياض، حين تلصق، تلغى وتوجد، تمحو وتخلق، تبدى وتخفى، لكى يبدو الشئ بعدها بارزاً واضحاً فوق الخلفية الدشتية الغائمة..
اللصق، ارتباط حميمى بين أبيض وأسود، بين خبر وخلفية، لاليوضع فقط فى ملف معلّق من أحد جوانبه، وإنما لينتظر، فقط يفعل، حتى يأتى من يجلّيه لوقته، ويعلم قيمته، عندها ستعود النسبية بلا شقها الأهم، الزمان.
اللصق، ليس افتعال لكيان جديد، بل هو كشف عن كيان كان موجوداً، إبداء وليس ابتداء، حتى لتحار بعدها فى أسبقية وجود الورقة البيضاء، أم الخبر المقصوص، أم المركب الجديد ..؟؟
اللصق، رباط معنوى قبل أن يكون مادياً، أمر كان فى البدء بكلمة الآلهة، فالتصقت الإناث مع الرجال فى خلق جديد، حتى إذا فسد فى الأرض، حكمت الآلهة بالفراق، وأثابت المحسن بأن يجد نصفه المفارق، وحكمت على المُسيئ بأن يجد نصفاً خطأً فيلتصق به، أو لا يجد نصفاً على الإطلاق، وحكمت عليّ أنا بأن أعمل هذا العمل الإلهى الواحد، وأنا صفر بشرى.
....
الإله الورقى هنا هو الأستاذ أجمل،
....
مش معنى إنك اتعلمت القصّ فى سنة، إنك حتتعلم اللصق بسرعة،
....
... اللصق ده يا سيدى، وما سيدك إلا أنا، .. ولا عندك اعتراض !!؟؟ لأ ما هو بص، إنت هنا تحت ايدى، ولازم أكون كده معاك، عشان مصلحتك، وتقدر تعدّى المرحلة دى..
...
كنت بقول إيه ؟؟
...
أيوه صح، اللصق ده بيحتاج منك – هوه أنا قلت يا سيدى وما سيدك إلا أنا ولا لأ ؟؟؟
....
يظهر نسيتها، المهم، ولو إنها مهمة برضه، لأن من علمنى حرفا صرت له عبداً، وعشان كده أنا بأكد عليها أهم من العلام نفسه، زمان كانوا بيقولولنا إن الوزارة متسمية التربية والتعليم، وإن التربية قبل التعليم، لأن الأدب فضّلوه عن العلم، ولا إيه ؟؟
....
.. بس يا سيدى، وضحتلك أهم شئ ممكن تعرفه خلال الشهور الأولى.
ودلوقتى نتفق، ماشى ؟؟
....
آه، نتفق، أنا بعد التقرير اللى بعته للأستاذ أمرو عن تدريبك معايا، قدّرت فيه إنك حتتعلم المبادئ فى سنتين، بعدهم نبقى نحدد اللى بعد كده، وأنا قررت – وده مش قرارى اللى فى التقرير – إن أول سنة ونص منهم تقعد فيها ساكت ما تنطقش، تشوفنى بأعمل إيه، وتتعلم وإنت زى الكرسى ده، لا مؤاخذة، مش قلتلك إنى سيدك .. هأ هأ هأ، هأ، لأ تلاتة هأ بس..
وبعد السنة ونص دولهمه نبدأ نشوف حنعمل إيه،
....
....
كلم مسكوب حبره 00 قطر تاهت ديمه عن أديم 00 ثمر بلا أفرع 00 جذور بلا ساق 00 عيون بلا نظر 00 قلوب بلا عقل 00 أحلام بلا فارس 00
لكن الحكمة أن تسمع أكثر مما تتكلم، وطالما أنك لاتسمع شيئاً، فلن تنطق أبداً.
....
....
" وقد اجتاز الموظف المذكور أعلاه الاختبار السنوى، الذى يعدّ جزء من الاختبار العام بنجاح معقول، بفضل جهود وتضحيات الأستاذ أجمل وتفانيه وإخلاصه فى إعطاء وتبليغ رسالة الهيئة من جيلها القديم إلى الجديد ...."
....
حين تغمس يديك فى نهر جار لتعلق بها قطرات، لايكون لهذه الأخيرة أى امتياز، وحين يقع الضوء للحظة على صيرورة الأحداث، فلن يبدو وقتها إلا حدث واحد.
....
سرى الخبر بين الجميع، أفواه تتلقاك مهنئة، أياد تلقاك مسلمة وطالبة الحلاوة ..
ولأول مرة يسمح لك بيوم إجازة، فتخرج، تخرج لاتدرى ما تفعل به، أو يفعل هو بك، الأصفار مفعولات زماننا هذا، الشمس تلفح وجهك وتغلق عينيك، لم ترها منذ عامين ونصف، تأتى قبل أن تشرق، وترحل بعد أن تغيب، أول يوم للإجازة، أربعة وعشرون ساعة..
التسكع فى الطرقات والنظر إلى اللاشئ..
تذكر أحلامه 00 وتذكر تلك الأسطورة الرائعة 00 تحكى عن فتاة جميلة 00 قبّلت ذات ليلة مقمرة ضفدعا قبيحا خرج لتوه من مستنقعه الصفرى العطن 00 قبلة أودعتها جمالها وشبابها وروحها البتول 00 وجسدها الطاهر 00 أودعتها بويضات نسلها المقبل وطمث دورتها الأولى 00 أسالت فى رضابها آمالا وأذابت فى دفئها ثلج البركة الأخضر العفن 00 فإذا بالضفدع يصير أميرا رائعا فى أحسن تقويم 00 أنشأته بقبلتها خلقا آخر 00 فتبارك الله أحسن الخالقين 00
كنت وأحلامى كهذين تماما 00 هى الفتاة 00 وأنا الضفدع 00 هى قبّلتنى وأنا لم أتحول 00 ذكّرتنى قبلتها بقبلات جدتى 00 ريا 00 كنا ثلاثين حفيدا 00 لم تكن لتقبّل غيرى أنا 00 ربما كانت " أنا " هذه هى إسمى 00 فما كان بعد الجدة أن يكون لنا أسماء 00 نفس القبلة الرائعة 00 شعرها الأبيض الخشن الذى يفك رباط أى مدوّرة على رأسها 00 ذات القبلة الغامضة 00 لا أدرى ربما أرادت أن تقول لى فيها أشياء كثيرة 00 حكايات كثيرة 00 نداءات كثيرة 00 أرادت فيها أن ترينى آفاقا عدة 00 تصعد بى كافورات عدة تفتح جفونى بقبلتها 00 وتضيء مسار عينى بها 00 حتى أرى 00 حتى حين أغمضهما 00 ولكنها لم تفعل 00 كانت كولىّ بلا كرامات معلنة 00 يراه الناس أشعثا أغبرا 00 وهو من إذا أقسم على الإله لأبرّه 00 لم تفعل 00 توسمت في شيئا 00 ولكنها ترددت 00 ترددت حتى ماتت 00 وإن ظلت قبلتها معى حتى يفرّق بينى وبينها الموت 00
قبّلتنى أميرة أحلامى قبلة كقبلة ريا الخالدة ولكننى ظللت ذلك الضفدع المسخ 00 وربما سأظل كذلك بقية عمرى القصير 00 العذاب لا يقف هنا 00 ما زالت تلك المجنونة تقبّلنى نفس القبلة حتى الآن وإلى أن أموت غرقا فى قاع مستنقعى المسطور أصفارا فى لوحى الغائم عند خالقى منذ خلقت 00 وإلى أن أموت 00 فمنه وإليه 00 نعم 00 منه وإليه 00
000 ولكن ماذا لو أصبحت أميرا مخصيا ؟! 00 ماذا لو أصبحت أميرا فى زمن العسكر ؟! ماذا لو أصبحت قضيبا فى زمن مغلق بلا فروج ؟! مستحيلة بكارته 00 فولاذ غشاؤه 00
تعود اللاجدوى من جديد ويعود الضفدع ضفدعا من جديد 00 بلا قبلات 00 بلا أميرة 00 فقط مستنقعه 00 فقط صفره 00
ظلّ يمشى كثيرا، لم يسأل، ربما قدماه تعرفان الطريق، وحين وقف ليسأل إلى أين، وجد نفسه أمام باب الهيئة الخارجى، جال ببصره ليتفقد المبنى القديم، وجد الأستاذ أجمل فى الشرفة الوطيئة، يشير إليه، ذهب على الفور..
....
إيه يا أستاذ، إنت صدّقت ولا إيه ؟؟
....
دى ورقة بنبعتها للوزارة عشان تعرف إننا بنكافئ الناس، لكن مبتتنفذش، ودلوقتى ياللا على الشغل عشان نعوّض اللى فات..
....
.. شوف يا سيدى، نص السنة اللى جاى، أنا اللى مش حتكلم خالص، أما إنت يا سيدى وما سيدك إلا أنا فبرضه مش حتتكلم، وحتشوف إنك فى آخر الست شهور دول حتبقى إيه..
....
لا أدرى لماذا تفكرت كثيرا فى مراحل أى موظف 00 التى قد تتطابق مع مراحل أى إنسان لتلقى المعرفة 00 حيث تبدأ بحالة – ليست مرحلة – من الصمت 00 ثم المعرفة المتلقاة 00 ثم الذاتية 00 فالإجرائية 00 وأخيرا البنائية 00
ففى حالة الصمت يسود الإعتقاد لدى الموظف بأن يترك المجال لصوت رئيسه 00 وأيضا لإستنباط هذا الرئيس على أية شاكلة سيكون هذا الموظف 00 فالصمت تسعة أعشار الحكمة 00 ويبقى العشر الأخير لقلة الكلام 00 وهى حالة تلائمنى تماما 00 فلا هى بسلبية ولا بإيجابية 00 وإنما هى صفرية الحالة والحال 00 ولكن لا 00
أما المعرفة المتلقاة 00 فتأتى حين يقسّم الرئيس العمل للموظف وفقا لما هو صحيح وما هو خطأ 00 ما هو ممكن 00 وما هو غير ممكن 00 مختتما دائما بعبارات 00 : إما 00 أو 00 فى تهديد ضمنى يخرج عنه هو لفظا 00 ويدخل فيه ضمنا 00 وهنا تنقسم الأشياء لدى الموظف إلى أسود وأبيض 00 وربما كانت هذه هى مرحلتى التى تلائمنى تماما 00 فهى تضعنى على أعرافية الأسود والأبيض 00 وأنا صفرى الخلق والخلق 00 ولكن لا 00
ثم تأتى مرحلة تنبثق فيها المعرفة من الذات 00 وفيها يتخذ الموظف مما تلقاه من رئيسه حجر ارتكاز نحو إنطلاقاته الذاتية 00 فيبدأ بإيجاد طريقة خاصة له فى عمل المطلوب منه 00 نظام 00 إجراء 00 ترتيب 00 ولكن بلا خروج عن أسس وآليات العمل 00 وهنا يلعب الموظف فى الرمادى 00 أو فى يسار الوسط 00 وربما كانت هذه المرحلة تلائمنى تماما 00 على اعتبار أنها تخاطب الجانب الذاتى المتمرد فى صفريتى 00 الجانح دائما للخروج من الرمادى نحو الأبيض 00 ولكن لا 00
الإنتقال إلى المرحلة الإجرائية 00 وفيها يستبعد الموظف أى تعليمات غير مبرهن عليها إجرائيا 00 فلا ينصت لتعديلات لم تتضمنها اللائحة 00 ولم تثبتها التجربة بالأحرى 00 حتى لتتقلص كمية التعليمات الواجب عليه القيام بها فى عدد محدود 00 وتأتى محدودية عدد التعليمات المعطاة لتلعب دورا مزدوجا 00 ففى الوقت التى تزيد فيه من كفاءة وفعالية الموظف بتحقيق أهدافه المحددة فى وقت محدد 00 تزوى سلطة الرئيس فى العمل 00 وبدلا من أن تمر دورة حياة المدير إداريا بمراحلها الطبيعية 00 من مدير رئيس 00 إلى مدير قائد 00 إلى مدير طبيب 00 إلى مدير مختفى 00 تبقى فقط المرحلتين الأولى والأخيرة من دورة حياته الإدارية 00 ولأول مرة يتوقف الأمر هنا على المرؤوس 00 وربما كانت هذه المرحلة هى الأخرى تلائمنى تماما 00 فهى تتوجه نحو هذا الجانب من قدراتى غير المدلل عليها وعلى كفاءتها 00 من أخذ المبادرة بيد المرؤوس لا بيد الرئيس 00 ولكن لا 00
وأخيرا المرحلة البنائية 00 حيث يتحد ويندمج ويتكامل فيها كل ما هو ذاتى بما هو إجرائى وموضوعى 00 تفكير وشعور 00 أحلام وواقع 00 وصولا إلى حقيقة مفادها أن كل شئ نسبى 00 وأن لا أحد فى الهيئة يملك الحقيقة المطلقة أوالكلمة النهائية 00 وفى هذه المرحلة التى قد تلائمنى تماما 00 أتصالح فيها ذاتا وموضوعا مع ما ومن حولى 00 أتأقلم بعد غربة طويلة مع نسبية ناقصة 00 ولكن لا 00 ليس لأننى أختم شرح كل مرحلة بها 00 ولكن لا 00 لأننى لم أرنى فى أى مرحلة أو حالة من مراحل أو حالات تدجين أى موظف ما فى إدارة ما 00
00 ربما بدأ الأمر بالتعالى الأحمق 00 ولكن سرعان ما تبدأ تكشفات الرحلة فى إقناعك 00 لا بصحة موقفك 00 وإنما بخطأ موقف الآخرين 00 كلفنى ذلك كثيرا 00
أعود إلى الحالة وإلى المراحل الأربع 00 فالصمت عندى ليس تعبيرا عن الحكمة 00 وإنما هو إجتلاب لها 00 إحتلاب لها 00 وطالما أن محدثك لا يقول شيئا 00 فلماذا تصمت 00 الأمر ذاته فى مرحلة المعرفة المتلقاة 00 التى يجب أن تتقبل فيها معظم الأشياء على علاّتها 00 وطالما أنك تدخلها وأنت تعلم على الأقل أكثر ممن يحدثك بأكثر من خمسة وعشرين بالمئة فى أسوأ الحالات 00 فلا يمكنك تقبّل ما أنت بالفعل أعلم به من الآخرين 00 ولا داعى للمرور بالمراحل الإجرائية إذا كنت قد حصرت معارفك طرا 00 ونقّحت سلة تفاحك الفكرية حتى تبعد المعطوب منها عن الصحيح فيها 00 أم البنائية فليس من الممكن الوصول إليها إذا استمررت ترقص على نغمك الذاتى 00 حيث عليك أولا أن تلملم شعاث ذاتك وموضوعك 00 تفكيرك وشعورك 00 فى ذات غير كاملة بعد 00 وتستمر مرحلة المخاض 00 الإتحاد بين ضدين يتصارعان داخلك 00 داخل هذه الذات المفارقة ذاتا وموضوعا 00 تفكيرا وشعورا 00 وتتغيا فى النهاية أن تصل لذلك الإتحاد بصورة غير إدارية 00 أو غير إنسانية بمقاييس زمانك هذا 00 ومكانك هذا 00

أترك كثيرا أحلام اليقظة الوظيفية هذه لأعود لأحلامى وقد وضعوها حولى فى صورة " بوّ " وهو جلد منتفخ على هيئة عجل صغير يوضع بجانب البقرة أو الجاموسة حتى تدرّ لبنا للآخرين بعد ذبح ابنها أو بيعه 00 تحسبه ابنها 00 أحسبها أحلامى 00 وأدرّ عرقا وجهدا وحماسا 00 حتى إذا امتصنى الناس لآخر قطرة 00 اقتربت منها 00 تشممتها 00 تحسستها 00 لعقت جنباتها 00 فلم أجدها شيئا 00 ووجدت الفشل عندها فوفّانى حسابى 00 من وضعها حولى ؟؟ من يمتصنى ؟؟ أعود إلى الضمير هم 00 تارة لأبرر فشلى 00 وأخرى لأبرر تبريرى 00 ولكن أحسبنى قد تجاوزت هذا الآن 00 فقد انتفخت ضروعى 00 واستدارت أفخاذى والتصقت ببعضها 00 وترهلت بطنى وامتلأت حتى لتعجب من حولى 00 ولكن أحسّنى كذلك وقد أكلت " الحبط " وهو عشب تأكله البهيمة فيحدث لها كل هذا 00 حتى إذا فرح مالكها 00 كان ذلك إيذانا بموتها 00 فكلها أعراض موت لا نماء 00 " أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " 00
يخدعوننى بالبو 00 وأخدعهم أنا بالحبط 00 يحيون بخداعى 00 وأموت أنا بخداع نفسى 00 ولكن هل ينفع الموت إذ لم تنفع الحياة ؟!
الواحد واقف مظبوط 00 والإتنين بتبص عليه 00 والتلاتة بسنتين 00 والأربعة اتنين واتنين 00 والخمسة كحكة بسكر 00 والستة واقفة تفكر 00 000 أغنية تغنيها بنات الحضانات فى طريقى اليومى 00 أنتظر سماع اسمى 00 صفر أنا 00 ومسكوت عنى أيضا 00
عاش صفرا 00 ذهب صفرا 00 وصل صفرا 00 ظل صفرا 00 عاد صفرا 00 ظل صفرا 00 مات صفر0
جب يشتاق إلى نت 00 ماعت تتأوه تحت ست 00 إله الشواش والهامشية والفوضى والدمار 00 يراود ماعت 00 ربة النظام والحقيقة والقانون والعدالة والإنسجام 00 ربة التوافق العلوى فى التناسل 00 ربما خدعت الآلهة فصارت لى ثوابا 00 وجعلتنى لها عقاب 00 شجرة عائلتى الصفرية تنتهى عند ست 00 آل ست 00 ربما مرورا بكل حمقى التاريخ 00 وربما الجغرافيا 00 فلا أحد إختار له مكانا أو زمانا 00 حتى أتيت بلا خيار لكى لا أختار 00
النجاح أكذوبة الآخرين، أما الفشل فهو حقيقتك وحدك، وحين يجتمعان فإن الحقائق وحدها هى التى تسود.
....
.. نفس الجملة المستفزة فى الصباح، وعند الرواح،
حد عايز فكة خمسة، عشرة، عشرين، تثب الجيوب محتجة، تضغط على القضبان العاجزة، البعض يزيد العشرين إلى خمسين ومئة، تتوالى الأعصاب انتحارا، حد عايز أمواس لندن بريتش الألمانى، حد عاوز..
....
حين تخفى الآلهة الغيب لا يصبح غيباً تماماً.. كما أن السر فى صدرك لا يصبح سراً، أما حين تحاول أن تجعله كذلك، فإن الماضى وقتها هو الذى سيصبح غيباً وليس المستقبل
....
أستطيع كل شئ فى الحلم الذى يقوينى..
كلمات كان يرددها قبل خروجه فى الفجر، وحين ينتصف النهار يتحول الحلم إلى وهم ثقيل، يضعف حامله ويفتّ عزيمته، وحين تمتلئ ضعفا يصدر القرار العدمى اللانهائى، بانتهاء مرحلة اللصق بنجاح..
...
" حيث أظهر المذكور براعة وحذقاً .."، كيف عرفوا ؟؟ .. ربما أشموا بعض الرائحة.
....
.. كرسى الإشراف يهزّ من عليه، يرتعش، فيرتعش له، الأستاذ أمرو، أصبح قلقا، السيجارة لا تفارق شفتيه، والموظف الجديد يتقدم بسرعة الصاروخ، القصّ واللصق لم يكونا ليخافا، فهما على يقين أنهما، وبخبث لم يلحظه المتدرب السابق، أو يدركه التقرير المرفوع إلى رئاسة الهيئة أنهما قد احتفظا لنفسيهما بسر الصنعة، ومفاتيح العمل بأسره،
أما الإشراف فهو عمل ظاهرانى،
فما عليك إلا أن تجلس وتنظر لمن حواليك فى آلية .. رافعا أحد الحواجب بالتبادل، متصيدا لأحد الأخطاء، مبروّزا لها فى كثير من الأحيان..
...
الرمادى وسط ذهبى مفارق للأبيض والأسود، فحين يسود الأول يختفى الأخير، وحين يسود الأخير يختفى الأول، أما حين يسود الرمادى يختفى حدا المحور، ليبقى الوسط المفارق للأبد.
...
أصبح أعرافى الكادر، بين الإشراف من جهة، وبين القصّ واللصق من جهة أخرى..
...
إيه يا أستاذ كت عاوز تقول حاجة يا أستاذ، اتفضل..
.. على مكتبك،، مش تتفضل تقول..
....
.. نعم !!! عايز تقول إن ماعندكش مكتب، قولها، متقولها، والنبى لانت قايلها..
....
....
لما مديرك يقول اتفضل على مكتبك، وانت ماعندكش مكتب، تعمل إن عندك مكتب وتتفضل عليه .. صعبة دى !!
حاجة غريبة والله..
....
العلمانية أن تأخذ النسبى بما هو نسبى، والمطلق بما هو مطلق، الذكاء الإجتماعى نفاق لاعلمانى، وحين تحاول أن تلوذ بالمطلق تصطدم بأنه ليس بعد محمد بنبى.
....
تمر السنون، وحين تصبح موظفاً مضافاً إليه بعض السنوات، لا فرق بينك وبين من تضاف إليهم بعض النجوم، أو النسور، أو السيوف المتقاطعة، أو أغصان الزيتون، أو..، فقط لافرق، يعمل تحت يديك موظفون..
يتصادف فى هذا الوقت أن تتفتق أذهان الإدارة عن معيار جديد للحكم على الموظفين بمقياس مركب من عدة معايير متداخلة..
أولها المتوسط الشهرى لعدد الاستمارات التى تملأها،
الثانى متوسط فترات العمل كل شهر،
الثالث يخرج برقم رياضى من الأول والثانى،
....
....
ويمضى الشهر الأول، وتذهب لقبض الراتب فتجده خمسة جنيهات من أصل مائة، فتذهب إلى الحسابات فتجد اقتناص المطلق فى جملة على مكتب المراجع العام، "الدفاتر لا تكذب"..
...
وبما أنك لست بنبى بعد محمد، فلا يمكن أن تواجه الدوجما، فيشير عليك سلطان ما تبقى من العقل بالذهاب إلى الإدارة، وهناك تجد من يفنّد لك أيام الشهر ومعايير العمل،
...
فأنت لا تملأ استمارات، وبذلك تخرج من المعيار الأول..
ولا تحقق رقما فى فترات العمل، بما يخرجك من الثانى..
أما الثالث فأنت لاتخرج منه بسلطان المنطق، لخروجك من الأول والثانى، وانتفاء الثالث لتكوّنه منهما معا، لا...
وإنما لأن الإدارة لا تجد لك مكاناً لتضعك داخل المعيار...
توّق الخروج من جديد .. إكزوداس
خروج الذرية الصفرية من أرض العبودية، بعد أن ظهر ملك جديد لايعرف يوسف،
.. مفارقة "..قدور لحم... " أرض العبودية لم تعد تكفى، لم تعد تهم،
إكزوداس..
أمل لا يليق للتدخل الإلهى لصالح ذرية لا تستحق..
الخروج، تحوّل إله الكون إلى إله تاريخى لتلك الأصفار، التى لايمكن فهم أفعالها بالمنطق الإنسانى العادى، التى لايمكن فهم أقدارها بالمنطق الإلهى العادى...
.. إكزوداس، صلاة شماع أبدية، بلا خشوع أو قبول..
فقط صلاة..فقط..
الخروج، بداية التاريخ، عودة الواحد الصحيح، ماشيّح هذه المعادلة، نهايته،
إكزوداس، السفر السادس، السفر المحرّم، السفر الرياضى الطلسم، سفر بلا شروح أو تفسير،
....
التفسير يأتى تفضلا،
....
فتبرير أن أصبحت مسئولاً عن فترة بالإشراف على الاستمارات ليس كافياً، فما زلت لاتملأ، كما أن كونك مسئول فترة لايجعلك مشتركاً فيها..
فالإشراف أمر خارجى فوقى على عملية ميكانيكية من تروس، وهذا لايجعلك ترساً فيها..
ومن ثم تستحق العقاب بألا تكون مسئولا عن شئ فى الهيئة بعد ذلك..فقط تأتى كل صباح لتوّقع فى دفتر الحضور.. وتعود كل مساء بعد أن توقع فى دفتر الإنصراف..
....






صفر
الإختفاء حجب لوجود، أما الظهور فهو نفى للأول وليس دليلا على الثانى..
أما حينما ينعدم النفي والدليل .. تمر السنون بلا أول وبلا ثان .. فقط ذرية موظفين بعضها من بعض .... الفارق أن الأول بهيئة .. أما الذي يليه فبلا شئ ..
فى الماضى البعيد 00 عبد الناس من اعتقدوا فيهم القوة 00 الحكمة 00 البطش 00 العطاء 00 النماء 00 الخلود 00
أكاد أرانى فى كهف حجرى العصر والقلب 00 أقترب من شعلتى الإلهية فأحترق 00 ويظلم الكهف من جديد 00
أو أكاد أرانى على ضفة نهر قبل تاريخى 00 أعبده لزراعتى 00 ويغرقنى للاشيء 00 فأموت غرقا وتنساح المياه فوق جثة عابد من جديد 00 أو ربما على قمة جبل هندى المكان 00 قديم الزمان 00 أطيل النظر إلى معبودتى 00 منذ شروقها 00 حتى إذا غربت 00 غربت معها أنوار عينى فأعيش عابدا بلا معبود 00 أو أموت لتدور الأرض من جديد وتشرق الشمس على ضحية أخرى 00
عندما أكون إلها 00 لا يجب أن أكون متناهيا فى الحكمة 00 عندما أكتب تنزيلا لا يكون علىّ أن أبالغ فى الغموض 00 عندما أقدّر الأقدار علىّ أن أترك هامشا للطف مقدّر أيضا 00 لتمرد مقدّر 00 لعجز 00لأمل 00 لهروب من قدر إلى قدر 00 لإختيار مواز 00 أما إذا أغلقت الهامش 00 فتحت باب العابد المفارق 00 فلا هو بجبرى 00 ولا معتزلى 00 ولا حتى أشعرى 00 وإنما عابد 00 مطلق فى عبوديته 00 متشبه بمعبوده كمطلق فى ألوهيته 00 إنه أنا 00 أكتب من على حافتى الصفرية المفارقة 00 بمداد من فشل وأوراق من إخفاق 00 أكتب لا لأمنع ما حدث ويحدث وسيحدث 00 ولكن أن أفهم 00 حتى هذا أغلق فيه باب الهامش 00 لم أسأل ردا لقضاء 00 أو لطفا فيه 00 فقط فهما له 00
تسعة وتسعين اسما ليس لى منها إلا المانع 00 الضار 00 الخافض 00 المنتقم 00 المذل 00000 عشرات من أسماء الجمال 00 ليس لى منها إلا الخالق 00 آخر حبل لدى بعد انقطاع حبلى السرّى بين أصفار سلفى المتقادم 00
ولكن أليس الخالق متضمنا الثمانية والتسعين اسما ؟ 00 ربما لا 00 أما أسماء الجلال القليلة هذه فهى لى 00
أقدارنا تتحدد بعدد ما لدينا من هذه الأسماء 00 جلالها وجمالها 00 فصلاة وسلاما على من أحصى التسعة والتسعين 00 وشقاء لى 00


بلا حدّين فزّاعة أعرافية تجوب حقول العدم .. وتجوس خلال الأطلال..... في حين كان يكتب أجدادي "الاستقلال التام أو الموت الزوؤام " علي قلوب الوطنيين قبل حوائط المحروسة ... أكتب أنا " نعم ( لفلان ) باني ( البلد ) الحديثة "... وفي حين كان يشطب أجدادي " أن علاقة (البلد) بالمستعمر .. زواج كاثوليكي " أشطب أنا " فلتأخذوا الرواتب .. ولتعطونا الخبز" .... هكذا كانوا هم فيما يكتبون ويشطبون .. وهكذا أنا فيما أكتب وفيما أشطب .. إنها مهنتى .. لا أحد يملك أن يغيّر مهنة مقدورة ...
حوش فسيح في مدافن المدينة . أسكن حفرة منه .. أبحث فيها عن لحنى الذاتى فى زمن قطع الناس فيه آذانهم فى فانجوخية جمعية 00 ذبحوها على نصب نشاز الآخرين 00
طبول شاكا الأكبر تبحث عن سنزانخونا فى تيه افريقى بعيد 00 ترهات سراب غاباتى 00 نيران الأفق المحترق فى أرض الزولو القديمة 00 أنسحب فى حفرتى هذه أمام أسود شابة تطلبنى للقتال 00 أو هكذا تخيلت أنا 00 ألملم خيمة ملك لم أملكه 00 أبو عبدالله يبعث من جديد 00 ليبكى كالنساء على ملك لم يصنه كالرجال 00 وأترك ذاتى 00 سلفى الصفرى 00 فردوسى وهويتى 00 كأحقر قوّاد فى التاريخ 00 نعم إنه أنا 00 أتركها تحت رجال بلا أسماء 00 أعراض بلا جوهر 00 تحت ظواهر بلا باطن 00 أنصاف وأشباه رجال 00 لأخرج من اللعبة برمتها 00 لأترك الإستاد فارغا منى 00 فلا أنا بلاعب 00 ولا أنا بحكم 00 ولا أنا بمتفرج 00 ولا حتى بائع ساندوتشات بين المدرجات 00تخرج غير مسيّر أو مخيّر من المعادلة 00 فقط تخرج 00 كما خرج أجدادك الصفريون من قبل 00 من أين 00 وإلى أين 00 لا يشغلك ذلك 00 فما لذكرى بصفر إيلام 00
صفر أنا 00 بلا علامة 00 بلا رمز 00 بلا قيمة 00 وطالما لم تقبل طيلة حياتك أن تكون عن يسار الآخرين 00 لن يقبل الآخرون طيلة حياتهم هم أن تكون عن يمينهم 00 وأظل بهذه الحفرة وحدى وإن كنت مع آخرين 00
تجاوزت دعوة أصفارى 00 أسلافى 00 تمثلت دعوتهم فى سكنى السفوح 00 الباب ظل مفتوحا لإبداع حفيدى معكوس 00 تجاوزت السفوح إلى الحفر 00 سعيد أنت حين تغيّر أقدارك 00 تعيس حين ترى ما رسمته أسوأ مما كانت سترسمه لك أقدارك غير الفنانة 00
الحفر المجاورة كثيرة .. هناك حفرة أرستقراطية لإمرأة في الخمسينيات تدّعي أنها حفيدة الباشا صاحب الحوش ... حفرة شعبية لممرضة في مستشفي مجاور .. ينادونها دكتورة .. فهي قابلة .. تحقن المرضي .. والمدمنين في أحيان كثيرة ... عذراء في الأربعينيات من عمرها ساعدتني في أن أكتب أول شعارات زمن فلان الجميل علي سور مستشفاها المتهالك ... حفرة غامضة لأحد رجال العسكر .. في العقد السادس من عمره .. لازال يرتدي بدلته العسكرية منذ عاد بلا عقل من الممر في أيام نكسة البلاد ... حفرة الأستاذ أديب ... وأديب هذا ليس اسما .. فما كان لنا أن نملك أسماءً في زمن فلان ... لا حاجة لأسمائنا .. كما أنه لا حاجة لنا .. ربما نستعمل.. :- علانّ .. ترتان . زمرخان .. لا أدري لها معني .. فما كان لنا أن ندرك معني.. بلا أسماء .. بلا معاني ...
أن تكون فقيرا لدرجة أنك لا تملك اسما فى هذه الحياة 00
أن تعيش فقيرا لدرجة أنك لا تحمل حلما فى هذه الدنيا 00 بلا اسم 00 بلا حلم 00 نمضى قدما 00 أحياء حتى إشعار آخر 00 أموات حتى إشعار آخر 00
حينما لا تكون أنت 00 لا تكون الأشياء من حولك 00 وحينما تفقد نفسك تفقد الأشياء من حولك نفسها 00 ولا يبقى إلا العدم 00
00 وهو أديب (مغمور) ، الأولي أطلقناها نحن عليه والثانية أطلقها هو علي ذاته منذ خمسين عاما.
استفدت منه كثيراً في تطوير مهنتي .. فبعد عشرين عاما من كتابة.."نعم لفلان لفترة ثانية.." "نعم لفلان لفترة ثالثة.. " "نعم لفلان لفترة رابعة.. " ... تفتق ذهني عن كلمات أكثر واقعية.. " عاش فلان ومات الجميع " .. " الموت للشعب ..." " نعم وحاضر للأبد ..." ... أصبحت راضياً عن نفسي كثيراً .. هو لم يقل لي أكتب هذا ... وإنما أنا بخبرة أكثر من ربع قرن من الزمان في الكتابة قد وصلت لمعناها وحدي .. أول عشرين عاما كان يمر علي ملاحظ . الآن اختفي فجأة .. بررت اختفاءه بكفاءتى وعدم حاجتي لملاحظ .. ولكني عدت وتذكرت أن الكفاءة تغيب..عندما تغيب الأسماء وتندثر المعاني .. في زمن فلان حيث اللامعني .. ربما غاب الملاحظ عندما غاب الشعب قبل أعوام عشرة في قرار جمعي رائع غير مسبوق .. ليسكن حفر الصحراء في أطراف واد كان خصيباً.
... ولكن فلان لم ينس الشعب.
تمر في الصباح وفي المساء علي أطراف الصحراء وبامتداد وادينا الفريد عربات العسكر محمّلة بخبز فلان .. المصنوع من قمح فلان ... والمعجون من ماء نهر فلان ... أي كرم كهذا ؟؟ .... أي حياة رائعة كنا نفتقدها ؟؟ " خلود.. خلود يا فلان .. " جميل هذا الشعار .. سأكتبه غداً علي آخر سور بقي في العاصمة المحروسة ..
لم يقف الحد عند هذا .. و إنما فتح فلان باب الديمقراطية من أوسع الأبواب ... فكان يمكن لأحد أفراد ما كان يسمي بالشعب أن يترقي ليصبح من العسكر .. وهم لايأكلون الخبز فقط .. لا ... و إنما يأكلونه وبجواره طبق عامر من الملح ... إنه جزاء الملتزمين .. الموعودين ... ربما لم أصل لهذه الدرجة بعد .. ولكن لابأس بالخبز .. ومرحبا بالولاء ... " الولاء ... الولاء .. من الألف حتى الياء " .. يالا جمال هذا الشعار .. مازال هناك حجر فوق حجر علي بعد مائة كيلو متراً من آخر سور بقي في المحروسة .. سأكتبه عليهما بعد غد ....
كثيرا ما بحثت عن تصوير للحياة الصفر- حفرية هذه بعيدا عن كيفية النظر إليها وإلى واقعها 00 بقايا من نداءات 00 من رغبات 00 تهاويم خلاء 00 وتكشفات غائمة 00 ربما شغلنى النظر عن المنظور 00 وربما شغلنى البحث عن المنظور المناسب لرؤيتها عن النظر فيها من الأساس 00
ماكينة معقدة هى 00 قمت فى وقت من أوقات حياتك القصيرة بتفكيكها إلى أجزاء صغيرة 00 كطفل حطم لعبته إلى قطع صغيرة فقط ليكون لديه أكثر من لعبة !!!! 00 فقط 00
منّا من لم يشغل نفسه بتفكيكها 00 بتحليلها من الأساس 00 ومنّا من فشل فى هذا 00 ومنّا من نجح فى التفكيك ولم يشغل باله بإرجاعها إلى كيانها الأصلى وتجميعها من جديد 00 ومنّا من حاول ولم ينجح 00 ومنّا من نجح ولم يحاول 00 وهؤلاء كثير فى زماننا هذا 00
أنا 00 أنا قد قمت بتفكيكها 00 بمفهوم الهندسة الإسترجاعية وليس بالمفهوم الشائه لتفكيكية دريدا 00 حيث افترض الأخير منهجا واحدا عليك اتباعه تفكيكا وتجميعا 00 بينما فى الهندسة الإسترجاعية فأنت بلا منهج أحادى وإنما كل مسألة 00كل ماكينة 00 كل حياة من حياوات الأصفار تفرض عليك منهج تفكيكها 00 فما بدأت بتفكيكه ستنتهى بتركيبه 000 وهكذا 00
ولقد نجحت فى مرحلة ما من حياتى فى هذا التفكيك 00 حتى إذا ما بدأت التركيب من جديد بمنهج بنائى – يبدو أننى قد تعلمت كثيرا من أديبنا المغمور – 00 وهو وسط ذهبى أرسطى بين ما هو ذاتى 00 وما هو إجرائى 00 أقول إننى ما إن شرعت فى التركيب حتى بدأت المعاناة 00 مخاض بلا فرج 00 حتى إذا استيأست وظننت أن قد كذبنى عقلى 00 أجدنى قد انتهيت من مرحلة التركيب أيضا 00 وعندما بدأت الإبتسامة تقارب شفتاى 00 سعادة وبهجة 0000000 أجد جزءا جوهريا فى الماكينة ملقى على الطاولة أمامى 00 على افتراض أن لدى طاولة من الأصل 00 !!!
الغريب أننى لا أعرف لهذا الجزء كنها 00 ولا أدرى له وظيفة يؤديها داخل الماكينة 00000000
الأغرب أنها تعمل 0





انقطع الطمث عن النساء ...كلمات منطقية أسرت لي بها الست الحكيمة ... ففي زمن كزمن فلان لايجب أن يبقي سوي الخصيان .. ربما كان الرجال أسبق من النساء ... بعد عامين من الخبز ... ضمرت الخصي ... وبعد أصبحت الفروج عقيمة ... بور بلاحرث .. أرض بلاغرس .. بلانبت .. بلازهر .. بلاشئ .. فقط أعضاء تندثر شيئاً فشيئاً.. "رجل’’ ... رجل’’ ..يا فلان .." لم يكن لي يوماً امرأة لأتأكد.
... ذات ليلة أتتنى عذراء حفرتنا ... كانت تتلوي من الشبق .... إدّعت أنها استثناء من النساء ... راودتني.. لم يكن الشعور بالعجز جديداً علىَّ .. لم أتألم.. وهي ظلت تبكي حتى الفجر..وفي النهاية ارتدت ملابسها..وقالت عند الباب ..لقد كذبت عليك، حتى هذا لم يرُحني كثيراً.. كما أنه لم يتعسني..
تبلد ... نعم ربما كانت هذه الكلمة تصف كثيراً ممن ومما حولي ... ولكنها المرة الأولى التي كانت فيها هذه الكلمة وصفاً لما بداخلي.
لا أدرى لماذا تذكرت رغبة ماضية غابرة فى أن أكتب قصة 00 ربما كانت قصتى 00 وربما كنت أنا قصتها 00 كانت عنّى 00 أو عن شخص مثلى 00 صفر كباقى سلالة الأصفار اللانهائية 00 طلع له عفريت من الجن فسق عن أمر عالمه المستور 00 وبدلا من أن يسأل العفريت ليحقق له ثلاث أمنيات 00 طلب من العفريت أن يسأله هو 00 ليحقق له ثلاث أمنيات 00
وبين حيرة العفريت 00 وتلقائية بطل القصة يستمر الحكى 00 فيعرض عليه كل أشكال المتعة فى حياة الإنس 00 عقلية 00 فيجوب معه أروقة مكتبات وشوارع المحروسة 00 وبين الحروف والأحجار يسرد عليه تاريخ شعب فخور 00 إنس غير إنسان 00 إلى متعة روحية فيطوف معه أضرحة أولياء الفسطاط 00 أم المدائن 00 شبابيك شيوخها تطل على فناء جنان الله 00 وبين دهشة العفريت واستطراد صاحبنا تستمر رحلتهما 00 وأخيرا متعة جسدية 00 وفنون الشبق وانتفاضات الجسد 00 كحد مشترك 00 أعراف بين جسدية الإنس 00 ونارية الجن 00 قرأ له ألف ليلة وليلة 00 وأراه الكاما سوترا بأوضاعها المرسومة 00 وعندما تحدثا عن عدد المرات التى يمكن أن يضاجع فيها كلا منهما 00 خرس صاحبنا الإنسى بعدها ولم يعقب 00
ويمر بالعفريت على نساء كثيرات فلا يستطيع أن يختار 00 ويحار الإنسى حتى ينهى الأمنية الثالثة هذه ويحققها لعفريته 00 وينصحه فى النهاية أن يطوف هو بنفسه ويختار 00 والتى يقع عليها إختياره يخطفها مباشرة ويأتى بها إليه 00
وذات ليلة ظلماء كسواد كهوفنا القبرية هذه يجد العفريت وقد هبط على سقف حجرته 00 وفى يده جوال به إنسان 00 وبين فرحة الجنّى 00 وفضول الإنسى 00 تمتد يده لتسبق يد العفريت لتفضّ بكارة الجوال وتحلّ أربطته 00
ويخرج ليل الشعر الأسود 00
وتخرج البشرة السمراء 00
ويخرج القوام الممشوق 00
وتخرج الفتنة والإغراء 00
الأنوثة والإغواء 00 الرغبة 00 وتخرج فتاته من الجوال 00
من بين بنات الأرض لم يجد إلاّها 00 لم يختر إلاّها 00 لم يحب إلاّها 00 وبين متطلبات العطاء – فى الروايات يكون لديك ما تعطيه – وكروموسومات الأنانية الإنسية 00 تنتصر الأنانية !!! فحين يتجه العطاء إلى المطلق يصل إلى الأنانية 00 ويهبها له راضيا مرضيا 00 وينزوى بعدها لاعنا أنانيته التى تعالت لتصل إلى الإيثار 00 وينزوى 00 ويذبل 00 ويموت فى كهف وعلى شفتيه ابتسامة غامضة بلهاء 00
كنا نتجمع في الليل، وهي تسمية اعتبارية ، فلا طلعت شمس الآلهة علي أرض بلا شعب .. تجلس حفيدة الباشا في صدر الحوش ... تعدل من فستان سهرتها القديم .. ربما لم أرها بغيره.. و يبدأ الحوار بها..وبها ينتهي.. تحكي عن الملكية، نبلها ووقارها..قدرها وقدرها، حشمتها ومجونها، في نبرة متحسرة .. كانت طفلة في بلاط الباشا الملكي، كان الأقرب للملك .. درساً معاً في الخارج وعادا معاً .. والتحقا معاً بكلية عسكرية غربية.. وتخرجا معاً ..
بالطبع ووفقا لمنطق الرواية كان الباشا هو الأول، الملك كان الأخير.. حتى في الملكية .. البقاء للأسوأ .
كلمات كتبها داروين .. قرأت كتابه مكتوبا بلغته الأصلية ولخطأ واحد في الترجمة أخطأت في كل حياتي ... فبدلا من أن أترجم كلماته إلي " البقاء للأكثر تكيفاً " ترجمتها في خطأ شائع .. " البقاء للأحسن" ما أخطر أن تترجم خطأ .. عندما يسير الجميع علي رأسه .. من الخطأ أن تسير معتدلاً ... عندما كانت صغيرة كان الجمال والضحكات ملء الأرض وما حولها .. وصحت ذات يوم علي حركة ضباطية.. أخذت من الأغنياء..ولم تعط أحداً .. والموت لروبين هود .
عندها اختنقت الكلمات في حلقها الجاف .. وبكت ولم نتأثر!!
اعتدل في جلسته..وعدل من باقة بدلته المتآكلة .. تحسس الفازلين في شعره .. من أين أتى به ؟ .. لم نعرف.. لم يتحدث عن نكسة البلاد .. تحدث عن واقعة واحدة ، ذهب بها إلي قادته.. وذهبت هي بعقله بعدها.
فعندما أدرك النكسة وهو في قلبها.. دخل خيمة قيادة العمليات وأغلق عليه.. وتحت ضوء شمعة من دهون حيوانية، وضع خطة لانسحاب الجيش بعد الهزيمة .. خطة كان يمكن أن تنقذ أكثر من 40% من خسائرنا وقتها.. لا وفقا لتقديراته هو .. و إنما وفقا لتقديرات أكاديمية عسكرية في المحروسة بعد ثلاثين عاماً من عدم الأخذ بها.. خرج إلي القيادة..
لم يستمع أحد.. لا توجد أوامر .. ((نعم لمبادرة فلان..لاللمبادرات الفردية))..أمسك بجهاز الإشارة وتخطي قيادته المباشرةواستعمل الخط الاستراتيجي وتحدث مباشرة إلي القيادة العليا..لم يردّ عليه أحد، ولم ينطق هو بعدها.. وسكتنا جميعا .. ولم نتأثر .
وفقا لترتيب جلستنا .. جاء الدور علىّ .. لم أتعود، فلم يصبني دور طيلة حياتي، لم يستمع إلي أحد، حتى إذا جاءت لحظتي حرت ولم أحرك ساكنا 00 لم أتحدث 00 تخيلت أنّى أقول 00 :
إذا كنت تستطيع أن تعيش دون أن تشقى فلا تعش 00 أما إذا كنت مثلى تستطيع أن تشقى دون أن تعيش فلا تشكو 00 ابتلع آهاتك المسمومة 00 ولتتلوى من الألم طيلة الآباد 00 أعد قطرات دمعك إلى منبعها 00 ولتبيّض عيناك من ملوحة الألم 00 ومن مرارة البكاء بعين لن ترى 00 أعد سهام القدر إلى جروحها 00 بل إغمدها حتى العمق 00 وتذوق عذاب أقدارك 00 ونزيف أحلامك المهدورة 00 بع أعضاءك حيا بلا ثمن 00 وإلعن بعدها مجانية التضحية 00 افعل كل هذا 00 وسيبقيك الإله حيا 00 معجزة بلا نعمة 00 لعنة بلا قسوة 00 هذا أنت 00 موضوع للشقاء 00 موهوب له 00 وموهوب به 00 وبعد كل هذا 00 تحدث الآخرين عن كل هذا 00 وتريد أن تكتبه على جدران اللامدينة 00 فى اللاحياة 00 تكتب بيد 00 بالأخرى تضغط بها على معدتك المسممة تارة 00 وتمررها مفتوحة أمام عين لا تبصر تارة ثانية 00 وتضغط بها السهام فى جسدك تارة أخرى 00 وتعرض بها أعضاءك للبيع تارة أخيرة 00 وتكتب على جدران كانت جدران 00 على طلول نهبتها يد الزمان 00 وسلبتها الكيان والكينونة معا 00 تكتب 00 تكتب لصاحب ديوان المظالم هباء أعمال السنين 00 سراب أطيبها 00 هلاوس الإنتظار 00
أذكر نكتة عن شقى مثلى ذهب إلى عرّافة بعد أن أغلق ديوان المظالم فى وجهه 00 لم يرد رفع مظلمته 00 أراد فقط أن يتسلمها أحد 00 وبعد أن أدامت النظر فى وجهه الصفرى المحايد أخبرته أنه سيعيش شقيا لعشرين عاما 00 تغيرت ملامح الوجه 00 وانتابه الفضول 00 فقال : وبعدها ؟ أجابت وهى تغلق دفاترها الفارغة 00 ستعتاد ذلك 00
وتكتب 00 أكتب فما لجرح بميت إيلام 00
هل تريدون أن تعرفوننى حقا ؟ 00 الأمر فى غاية البساطة 00 هل عرفتم الشقاء مرة ؟ إذا عرفتموه فقد اقتربتم من المعرفة بى 00 وخاطبت كل واحد منهم : هل بعت أحلامك بلا ثمن ؟؟ وعدت لتجد أطفالك جوعى ؟؟ وامرأتك تبيع جسدها لتأكلوا جميعا من عرق فخذيها ؟؟ هل اشتريت الوهم بثمن من خيال ؟؟ وعشت معه فى سراب من تهاويم ؟؟ 00 هل سرت فى شارع طويل بالعرض ؟؟ لتجد من بين يديك سدّا ومن خلفك سدّا ؟؟ هل أجلسك مديرك فى غرفة مستديرة كل صباح وأمرك أن تعمل فى الركن ؟؟ 00 هل تعرّيت أمام أناس ثم رحلوا عنك بلا تصفيق أو عملات ؟؟ 00 هل رقصت على ألحان الآخرين وفوجئت بأن الرقصة رديئة 00 ولم يفاجئ الجميع لإنك أصم 00 لا تسمع إلا لحنك الذاتى ؟؟ فخسرت الناس ولم تكسب نفسك ؟؟ 00
هل استرحمت ملك الملوك ليرجعك تعمل صالحا 00 ثم عدت وكنت نفسك من جديد ؟؟
هل اخترعت لغة 00 وقرأت بها 00 وفهمت بها 00 ووعيت بها 00 وعملت بها 00 وكتبت بها 00 وأبدعت بها 00 ولم يعرفها غيرك 00 حتى إذا تمددت على فراش الموت مت كمدا ألاّ تجد من قد فهمك ؟؟
هل رأيت أعمالك يوقّع عليها آخرون ؟ 00 هل قرأت شهادة ميلاد أبنائك لتجد اسما غير اسمك فى خانة الأب ؟؟ 00 هل انفطر قلبك على بنيك كلما نظرت إليهم لأن لهم أب مثلك ؟؟ هل استلغزت فلم تفهم نفسك ؟؟ ولم يفهمك الآخرون ؟؟ 00
هل غصت عطشا فى بحور السراب فى صحراء حياتك متتبعا صوتا داخلك 00 ولم تصل 00 ولم تشرب 00 ولم تمت عطشا ؟؟ 00 هل كسر الزمان أصابعك التسعة وعزفت على البيانو فى حفل على الملأ 00 وصفقوا لك فى نهايته ؟؟ 00 هل سبقك كسيح العقل والقدمين فى سباق ماراثونى وأنت فى كامل عقلك وجسدك ؟؟ 00 هل حكم عليك الناس إيجابا فلم يعجبك 00 سلبا فلم يعجبك – حتى إذا أهملوك تماما 00 لم يعجبك أيضا ؟؟ 00
هل عشت بزمن واحد من أزمنة اللغة 00 تستعمله ويستعملك 00 بلا مضارع أو مستقبل ؟؟ 00 هل سقطت من فوق جبل بركانى 00 لتتعلق بغصن شجرة مهترئ فى طريق هاويتك 00 تحتك هوة 00 فوقك نار 00 خواء عن يمين وشمال 00 وإذا بك تبتسم لزهرة برية استدار جمالها إليك فى هذه اللحظة 00 حتى إذا مرت لم تعبأ بشئ قبل 00 أو بعد ؟؟
هل سألت أسئلة كهذه وأنت تعلم أن أحدا لا يريد أن يعرفك 00 قالوا : تكلم كى أعرفك 00 أقول فلتشقى كى أعرفك 000
حرت أكثر فلم أنبس بحرف واحد 00 الوجوه حولك محايدة 00 سواء تكلمت 00 أو لم تفعل 00
إنى حزين 00 لماذا لا أتوقف بعد هذه الكلمة 00 لماذا لا أبنى حجرا على حجر لكى أكتب هاتين الكلمتين عليهما 00 : إنى حزين 00 هل أحتاج أن أفسّر أكثر من هذا كى يعلم الخلق كم أنا حزين 00 هل أبلل وريقاتى بدموع حزنى كى أبدو أكثر حزنا 00 هل أقطّعها لأعود لأكتبها من جديد 00 لأحزنها من جديد 00 كى أبدو حزينا أكثر وأكثر 00
هل علّي أن أكتب قصيدة عصماء على جدران مقبرتى أصف فيها تجربة شعورية واقعية عن الحزن 00 شخصى كان أو رمزى كى أعبّر عن حالتى 00 هل علّي أن أرسم لوحة داكنة الألوان عن أنفاق مظلمة 00 متخيلة هذه المرة 00 لأنك إذا رسمت أنفاقا مظلمة بلون أسود ولم ترسم شمعة فى نهاية النفق فلن تبدو الأنفاق من الأساس 00 هل علّي أن أفعل هذا كى أكون حزينا 00 أم أترى علّي أن أرتدى السواد 00 أم أكفهر 00 أعبس 00 أبسر 00 وجها وروحا 00 أم أردّ بإقتضاب على من حولى 00 أم لا أردّ من الأصل 00 00 كى أبدو حزينا 00
لا أعتقد 00 ولن أعدّد أسباب هذا الإعتقاد أو تلك اللا 00 لأنى 00 حزين 0
أما إذا تحدثت لتقل هذا فلتسمع ماذا يمكن أن يقولوا :
- نعم يا روح أمك 00 !! حزين ؟؟!!
- وعايز ايه يا عم حزين إن شاء الله 00 ؟!!
- مرحب يابو الحزن 00
- حزين يا شرموط 00 ومين مش كده يابن الهبلة 00
- ادينى سلام فى الحزين عشان الأستاذ والنبى ياسطى
- اقف فى الطابور يا حزين 00
- محن إيه ده ياخويا 00
- كلنا هذا الرجل يا بنى 00
- حزين على نفسك يا صاحبى 00 مش علينا وحياة ابوك 00
- 00 يا حزن أمك !!!
- وانت شفت إيه يابنى عشان تحزن 00 تعالى وأنا أقولك 00
- 000000
- 00000
.. وسرعان ما تداركت الموقف .. قلت: لم يكن لأتحدث قبل أديبنا المغمور، انتفخ الرجل وابتسم ابتسامة الرضا التام، وتحدث مضطجعاً علي يمينه، بعد أن أخرج القلم من خرق جيب قميصه الباهت، أنا أعتقد - لم استبشر خيرا بأنا أعتقد هذه - ولكنني صبرت صامتاً .. أنا أعتقد..قالها مرة ثانية وأخري.. و أخري .. الوجوه حوله لم تكن تدعوه ليكمل.. كما لم تكن تدعوه ليصمت.. وبعد عشرين دقيقة أنا اعتقد .. لم يكتمل الكوجيتو العدمي .. وصمت هو وأعاد قلمه إلى خرق جيب القميص ثم اعتدل في جلسته وسط وجوم الحضور الغائب ..
أن تعيش كعذراء معطلة ، امرأة تحت الإعداد.. تحت .. فقط تحت ..
لم أعش لحظة تحت قضيب جسد فائر، لم أعش أبدا تحت رغبة محمومة، منذ بدايات البلوغ وحتى انقطاع الطمث، أعضاء للزينة فقط.. صندوق عرس لم يفتح بعد.. أعدّته الأم قبل عشرين عاماً .. العنوسة تعني غياب احتمال الزواج.. التعطّل يعني انتفاء الاحتمال.. كل يوم يمرّ يقترب بك من هذا..حتي تنتهي كما انتهت ملايين النساء المحتملة في زمن فلان.. ..العنوسة أم زوجة ثانية ؟؟
.. زوجة ثانية. العنوسة أم زوجةثالثة؟؟؟ . ..زوجة ثالثة. العنوسة أم زوجة رابعة ؟؟؟؟
..زوجة رابعة أم خليلة!؟
.. خليلة . أم رفيقة !؟
..رفيقة . أم عاهرة !!! ... عاهرة ..
وعندما حسمت أمري واخترت أن أكون عاهرة .. اندثرت قضبان الرجال .. وضمرت خصاهم .. إنها اللعنة في زمن مبارك ... وكما تحدثت بلا مقدمات .. صمتت أيضا بلا مقدمات ... وتسلل كل منا ململماً أشلاءه إلي حفرته الحميمة ... كلنا مخروق .. منا من هو مخروق في رأسه .. ومَنْ هي مخروقه في ذاكرتها .. ومن هو مخروق في اعتقاده.. ومن هي مخروقة في أنوثتها .. ومن هو مخروق فقط .. فقط مخروق ...
في زمن فلان كل من هو مخروق يُحكم وكل من هو أخرق يَحكم 000 ما يحكمش 000 !!!
..."حكيم .. حكيم .. يا فلان " ... لم يعد هناك حجر علي حجر لأكتب هذا .
بدأت الحضارات بالكتابة .. وانتهت بدونها .. بدأت الحضارات بنا .. وانتهت بدوننا .. ربما كانت هذه هي الساعة .. ساعة الموت.. أم البعث.. أم القيامة .. الأولى والثالثة لاحيلة لك فيهما .. الثانية هي الساعة الحق.. فإما أن تأتي قبل القيامة فتكون كمثيلتيها .. أو أن تأتي قبل الموت فتكون خلقا أخر .. ساعة أخري من احتمالية الفعل في زمن اللافعل .. واللافاعلية..ساعة معرفة في زمن نكرة .. في زمن فلان ... وكعبيط قرية كونية ظللت أبحث عن بداية .. عن صفر في زمن السوالب .. برودة الهامشية تحت الصفر .. تلك النقطة الأعرافية الخالدة .. عليها يذبح كبش الأمل .. وينادي المطلق .. يا أهل الموجب خلود بلا أمل .. ويا أهل السالب خلود بلا أمل .. أما الهامشيون .. الأعرافيون .. فهم المسكوت عنهم حياةً وموتاً وبعثاً .. عندما يستحيل الصعود .. لاتنطح جدار القدر .. لن يردّ أحد .. عندما تصم الآذان .. لا تغني ألما .. لن تشجي أحداً .. عندما تعمي الأبصار والقلوب معاً .. لاترقص حتى علي نغمك الخاص.. لن تطرب أحد .. ولن يرك أحد..
عندما يقف بك الزمان 00 عندما تخرج من حيز المكان 00 تجترّ زمانك ومكانك معا 00 تستحلب أيامك وتراب خطاك 00 تتجمع أصفار الأسلاف معا 00 سلاف فاكهة السنين يختلط بمرارة الأنحاء 00 الذكريات المكانية 00 والأماكن الذاكرة 00 نداءات الخواء وخواء النداءات 00 يتواثبن داخل عقلك العجوز زمانا ومكانا 00 مداد القلم لا يسد الفجوات الزمكانية 00 خراج العقل لا يمنع ترهات جنون نسبية مبتورة 00 السرعة لا تسعف فى ربط الإثنين 00 هوات الفضاء تحاكيها هوات الأرض 00 الفجوات السوداء 00 محطات الفشل التى لا يفصلها فاصل 00 حتى أن القطار لا يكاد يتحرك منذ ظن أنه قد إنطلق 00 صمم المكابرة عن صفارات ناظر المحطة 00 وهم العيش بلا سلطة لك أو عليك 00 أن تطمع فيها لك يعنى أن تخضع لها عليك 00 الإنفلات مستحيل 00 الفرار خادع 00 الهجرة سراب 00 زمن الصعاليك المنبّتين قد إنتهى 00 وبقى فقط الخضوع 00 يجب أن نأكل العيش بالجبن 00 وإلا 00 فلا عيش 00
لماذا تكون الأرض بهذه الكروية المفرطة 00 حتى لا ينساح الأفق أمام أعيننا لنرى أبعد ؟؟
لماذا يكون النور الإلهى بهذه القوة حتى يعمينا بدلا من أن يهدينا ؟؟ 00 نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم 00 واتبعوا النور الذى أنزل معه 00 ولقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 00 الله نور السموات والأرض 0
أحتاج أن أجد نفسى موضوعا من موضوعات هذه الحياة 00 فلا أجدنى 00 قست نفسى بخطوات براق النبى 00 حين يضع قدمه عند انتهاء مدى بصره 00 ويتقدم للأمام 00 فلم أجد وحدة قياس خلفية مناسبة 00 ربما أحتاج إلى خطوات أصغر بكثير 00 أقل طموحا بكثير 00 ولكنها أكثر إستمرارية 00 دؤوبة أكثر 00 عنيدة أكثر 00 منفكة أكثر 00 تقودنى إلى هناك 00 حيث تنكفئ السماء على الأرض فى نهاية لأفق بعيد 00 لأجدنى وكروية الأرض من جديد 00 ضدان يخسر كليهما فى اللعبة 00
أو ربما كمثيلين 00 هى كروية فى كينونتها 00 وأنا كروى فى تفكيرى 00 فما أفكر فيه أعود لأفكر فيه فى دائرية مقيتة 00 وإن كان التفكير دليل على الوجود والكينونة 00 فأكون كذلك أيضا فى كينونتى 00 هويتى 00 الإجابة عن من أنا 00 لن تكون أكثر منهم 00 كذلك كانوا هم فى صفريتهم 00 كينونتهم 00 وكذلك ستكون 00



اذهب إلي الصحراء .. منها كانت بدايات الأولين .. وفيها كانت النهايات..
.. اختر بقعة لم تطأها قدم شقي قبلك .. وارسم علي الأديم طريقاً باتجاه الشروق وامضي هرباً من الظلام .. نهار سرمدي .. اختيار موازٍ ..
.. إنه الشقي المفارق .. إنسان هذا الزمان .. اخترت بقعتي .. و بدأت أخط طريقاً عبر الفراق .. يسعني وحدي .. أخط متراً إلي الأمام، و أعود لأمحوه من خلفي، تكتيك جديد .. بلا خطة قصيرة أو متوسطة .. أو بعيدة المدى أو استراتيجية.. أو نظرة للأفق ..
.. متر واحد .. يكفي أنه إلي الأمام .. بعد سبعة أمتار.. لم أعد انظر خلفي لأمحو.. أمحو ورأسي باتجاه الشرق.. و عثاء الفراق .. وألم التكشف .. بعد بضعة أمتار أمام – خلفية سيموت الشقاء في سعادة .. وسيظل هناك متر للأمام.

إسلام محمود محمد الست
نوفاميلانيزى – ميلانو
2005